الثاني والأربعون: الإمام فيه خصال:
أحدها: إنه يعلم الأحكام لا يأخذها بالظن والاجتهاد لقوله تعالى:
(ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).
وثانيها: إنه يفيد قوله مبدأ للحكم الشرعي أي كاشف يفيد الجزم المطابق الثابت بصحته لأن المكلف لا بد له من طريق إلى العلم لأنه لا بد له من طريق يفيده الحكم الشرعي فإما أن يفيد الظن أو العلم والأول لا ينفي الخوف الحاصل من الاختلاف أو الحاصل معه وإنما وجبت عليه المعرفة وامتثال التكاليف لدفع الخوف على ما ثبت علم الكلام فلا يجوز أن ينشأ الخوف من نفس التكليف.
وثالثها: إنه لا يمكن عليه السهو والنسيان والغلط إذ جاز شئ من ذلك لما حصل للمكلف الطمأنينة بقوله وهذه الخصال إنما تحصل في المعصوم فلا بد وأن يكون الإمام معصوما دائما.
الثالث والأربعون: إمامة غير المعصوم تستلزم الخوف على المكلف ودفعه واجب ورفع اللازم يستلزم رفع الملزوم فيجب رفع إمامة غير المعصوم فلو كان غير معصوم إماما لزم اجتماع النقيضين وهو محال.
الخامس والأربعون: قوله تعالى: (يس) (والقرآن الحكيم) (إنك لمن المرسلين) (على صرط مستقيم) (تنزيل العزيز الرحيم)) حكم في هذه الآية بأحكام ثلاثة إن طريقة النبي صراط مستقيم فلا يكون الحق إلا في دينه وجعله يقينا لأنه قال تنزيل العزيز الرحيم ولو كان الإمام غير معصوم لجاز أن يزل عن الصراط فنزل نحن ولا بقي اليقين بصحته فيجب عصمة الإمام ولأنه لو جاز شئ من ذلك عليه لما حصل للمكلف الطمأنينة بقوله.
السادس والأربعون: الإمام قائم مقام النبي (ص) ولهذا سمي خليفة رسول الله والنبي بشير ونذير فالإمام يكون أيضا بشرا ونذيرا وإنما يتم فائدته مع العلم بصواب قوله وفعله ولا يتم ذلك إلا مع العصمة.
السابع والأربعون: الإمام حجة الله في أرضه على جميع من عداه من عباده في كل زمان وبالنسبة إلى كل حكم من أحكام الشرع فمحال أن يخطئ في حكم أو زمان ويصيب غيره وإلا لكان قول المخطئ الخطأ حجة على المصيب وهو محال والمقدمات ظاهرة. أما المقدمة الأولى فقوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، فهذا أولي الأمر هو الإمام لأنه إما أن يكون هو النبي أو غيره والأول يلزم التكرار بلا فائدة والثاني إما أن يكون هو الإمام أو غيره أو هما والأخيران باطلان فتعين الأول أما الثاني فلاستحالة أن ينصب إماما نائبا عن النبي وخليفته له ويوجب عليه وعلى الأمة طاعة غيره وأما الثالث فهو باطل لاستحالة مساواة الإمام غيره ولإمكان الاختلاف فيجتمع النقيضان وهو محال فتعين الأول وباقي المقدمات ظاهرة الثامن والأربعون: الإمام خليفة في الأرض وكل خليفة إنما المقصود
التاسع والأربعون: ردع المذنبين بإقامة الحدود والتعزيزات حسن مطلوب للشارع وليس بعض الذنوب أولى من بعض بذلك وكذا الزمان والمكلفون كذلك فتعين نصب مقيم للحدود والتعزير على كل مذنب في كل وقت على كل عاقل فلا بد وأن يكون المقيم منزها عن سائر الذنوب كلها وإلا لاتحد المقيم والمقام عليه وذلك هو المعصوم.
الخمسون: الإمام عليه السلام نائب النبي صلى الله عليه وآله وخليفته وقائم مقامه فيما جاء به النبي من دعوة الأمة وهو ظاهر والنبي إنما جاء ليتلو على الأمة آيات الله ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم لقوله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم الآية والمراد من التزكية المطلقة لا من ذنب دون ذنب فإن لم يكن هو كذلك لم يتأت منه تزكية منه غيره لأن من ليس يزكى كيف يزكي غيره، لا يقال: فإذن لا يحصل فائدة الإمام، لأنا نقول: إنما سعى الإمام للتزكية المطلقة فإن لم يحصل فالمانع من جهة المكلف لا من غيره.
الحادي والخمسون: الإمام قائم مقام النبي عليهما السلام يجب أن لا يقول على الله إلا الحق لقوله تعالى حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق فيجب أن يكون الإمام كذلك ولا يعلم ذلك إلا من المعصوم فيجب عصمة الإمام ليعلم المكلف أنه بهذه الحال ليطمئن قلبه.
الثاني والخمسون: الإمام عليه السلام لطف حسن للمكلفين وهذه مقررة والعلة فيه جواز الخطأ على المكلفين فجواز الخطأ على الإمام يستلزم المحال وكل ما استلزم المحال فهو محال.
أما المقدمة الأولى: فظاهرة فإنه قد وقع الاجماع على نصب الإمام ورأينا خلو بلد من رئيس يوجب اضطراره وفساده.
الثالث والخمسون: لو لم يكن الإمام معصوما لزم إمكان إيجاب اتباع المخطئ على المصيب وترك الصواب والرجوع إلى الخطأ والتالي باطل إجماعا فالمقدم مثله بيان الملازمة يتوقف على مقدمات:
الأولى: إن المصيب في الأحكام واحد وقد بين في الأصول.
الثانية: إن جميع الأمة معصوم من الخطأ في القول والفعل وقد تبين في الأصول أيضا.
الثالثة: أنه يجب على مجموع الأمة بعد عصر البني غير الإمام اتباع الإمام لأن قوله مساو لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفعله لفعله لقوله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) فأما أن يكون على سبيل الجمع أولا والأول محال لأن مع حصول النبي لا حاجة إلى الإمام، والثاني أما أن يكون قول كل واحد حجة من غير اشتراط قول الآخر أو قول واحد مشروط بقول الآخر دون العكس والثاني محال لأن المشروط إما قول النبي وهو محال بالضرورة أو قول الإمام فمع نص النبي لا اعتبار بقول الإمام ولا حاجة إليه فتعين الأول فساوى النبي في وجوب الاتباع.
الرابعة: إن الآيات الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وآله
إذا وجب على كل الأمة اتباع الإمام في قوله وفعله فلو لم يكن معصوما جاز الخطأ عليه وإذا جاز عليه الخطأ في حكم وجاز إصابة واحد من الأمة في ذلك الحكم وجب عليه اتباع الإمام للمقدمات المذكورة فيلزم المحال المذكور وأما استحالة الثاني فظاهرة لا تحتاج إلى بيان.
الرابع والخمسون: المطلوب من إرسال النبي صلى الله عليه وآله والإمام أشياء الأول هو الهداية إلى الطريق المستقيم الذي هو الحق وسؤال العباد الذي علمهم الله إياه هو الهداية إلى صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين وهذا يدل على أنه واحد، الثاني حمل الأمة عليه، الثالث منعهم عن ركوب غيره بأن سمع المكلف عمل ذلك معه في كل الأحكام والأفعال والأوامر والنواهي ولا يتأتي ذلك إلا من المعصوم يعلم الأحكام الشرعية والفرعية عن أدلتها التفصيلية يقينا وهو ظاهر.
الخامس والخمسون: الإمام تجب طاعته على الكل ولا يجب عليه طاعة أحد فنفسه أكمل من الكل وعلمه أعظم من الكل وزهده أعظم من زهد الكل وتقواه أقوى من تقوى الكل فيكون معصوما وهو المطلوب.
السادس والخمسون: لا يقيم الحد من الله قبله حد والإمام هو المقيم للحد على كل محدود فلا يكون لله قبله حد فيكون معصوما وهو المطلوب أما الصغرى فلقوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) والخبر والإجماع وأما الكبرى فظاهرة.
السابع والخمسون: قوله تعالى: (هو الذي بعث في الأمين رسولا) إلى قوله يتلو عليهم آياته إشارة إلى إبلاغ الشرائع وتهذيب الظاهر باستعمالها وقوله ويزكيهم إشارة إلى تطهير الباطن من الأخلاق الذميمة وجميع المناقض وقوله ويعلمهم الكتاب إشارة إلى الآيات الحاصلة بعد ذلك من دقائق الكتاب العزيز وحقائقه وقوله والحكمة إشارة إلى الحكمة النظرية فلا بد وأن يكون النبي كاملا في هذه الصفات كما لا يمكن للإنسان ولا نعني
الثامن والخمسون: الإمام عليه السلام واجب الطاعة كالنبي لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله) الآية ووجوب طاعة النبي عام في المأمور والمأمور به فيجب أن يكون وجوب طاعة الإمام عاما كذلك وإذا عرفت ذلك فنقول: فلو لم يكن الإمام معصوما لزم أحد الأمرين وهو إما إمكان أمره تعالى لواحد في وقت واحد بالضدين وهو تكليف ما لا يطاق أو نقض الغرض في نصب الإمام واللازم بقسميه باطل فالملزوم مثله بيان الملازمة لو لم يكن معصوما جاز أن يأمر المكلف بضد ما أمر النبي صلى الله عليه وآله فإما أن يجب كل منهما وهو اجتماع الضدين أو لا يجب واحد منهما وهو خلاف التقدير أو لا يجب اتباع الإمام إلا إذا عرف موافقته للنبي فإذا قال المكلف لا يجب علي اتباعك حتى أعرف موافقة أمرك لأمر النبي ولا أعلمه ينقطع الإمام ويفحم وهو نقض الغرض ولأن غير المجتهد لا يتمكن من العلم فإما أن لا يكون أمره بالاتباع مشروطا بالعلم بموافقة أمر الإمام لأمر النبي أو يكون فإن كان الأول لزم إمكان اجتماع الضدين وإن كان الثاني لزم أما وجوب الاجتهاد على كل العالم في الأحكام الجزئية الشرعية وهو خلاف الحق على ما تقرر في الأصول أو تقديم قول مجتهد آخر على قول الإمام وهو خلاف المقدمة القائلة بعموم اتباعه وهو محال فلا بد من أن يتقرر لاستحالة مخالفته للنبي صلى الله عليه وآله وذلك إنما هو بالقول بوجوب عصمته وهو المطلوب.
التاسع والخمسون: رد الأحكام في العلم إلى النبي والإمام يبحث كل ما اشتبه على الأمة وفي العمل هو الذي يحملهم عليه فلا بد وأن يكون معصوما في القول والفعل لأن المطلوب من الرد إليه حمله على الحق فلو جاز صدور غير الحق منه لكان مثل واحد من الأمة فلا ترجيح في الرد إليه ولأنه جاز أن يحمل على الخطأ.
الستون: قوله تعالى: (وإذ آتينا موسى الكتب والفرقان لعلكم تهتدون) عرفنا بهذه الآية وبما يشابهها من الآيات أن غرض الله تعالى من
الحادي والستون: عصمة الإمام أهم من شرع الحدود في الغرض المطلوب في شرع الحدود وشرع الحدود واجب فعصمة الإمام واجبة أما الأولى فلأن الغرض في المطلوب في شرع الحدود ردع المفسدة وحمل الناس على فعل الواجبات وترك المحرمات كلها ولا يتم ذلك إلا بحافظ للشرع ومقيم للحدود فالغاية المطلوبة من نصب الحدود لا تحصل إلا بحافظ الشرع المقيم وذلك هو الإمام فالإمام أدخل في الغاية وهو العلة القريبة لحصولها فكان أهم وكونه غير معصوم مؤد إلى عدم الوثوق بحصول الغاية منه بل يجوز أن يحصل منه ضدها فيناقض الغرض من نصب الحدود فكانت نسبته أهم لنا فإنها نقيض الغاية منه ومع تمكنه وطاعة المكلف لم يجب حصول الغاية وفي الحقيقة العلة المحصلة للغاية هي العصمة وأما المقدمة الثانية فلما ثبت في علم الكلام من وجوب نصب الحدود وهو المطلوب.
الثاني والستون: قوله تعالى: ((وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يقوم اتبعوا المرسلين) (اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون)) هذه الآية تدل على وجوب عصمة النبي والإمام عليهما السلام وتقريرها أن نقول علة وجوب الاتباع عدم سؤال الأجر وكون المتبع مهديا وإنما يجب الاتباع حالة الاهتداء لأن الواو للحال وإنما يعلم كونه مهديا بالعصمة لأنها الضابط
الثالث والستون: الإمام هاد بالضرورة ولا شئ من الهادي بغاو بالضرورة ما دام هاديا ينتج لا شئ من الإمام بغاو بالضرورة على قول القدماء ودائما على قول المتأخرين أما الصغرى فلقوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) أما الثانية فظاهرة وإذا ثبت أن الإمام ليس بغاو فهو معصوم لقوله تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطن إلا من اتبعك من الغاوين) فكل من اتبع الشيطان فهو غاو وبحكم هذه الآية الحصر ثابت بين الغاوين وبين المخلصين الذين ليس عليهم له سلطان ولقوله تعالى:
((لأغوينهم أجمعين) (إلا عبادك منهم المخلصين)).
الرابع والستون: الإمام مقيم للدين ومهد لقواعده وداع إليه بالضرورة ولا شئ من غير المعصوم كذلك بالامكان ينتج لا شئ من الإمام بغير معصوم بالضرورة أما الصغرى فظاهرة لأن المراد من نصب الإمام ضبط أحوال الدين وحفظ الشرع والدعاء إليه وبالجملة نيابة النبي بالتبليغ والتمهيد وأما الكبرى فظاهرة.
الخامس والستون: الإمام رئيس مطلق لا رئيس في زمانه أعلى مرتبة منه فلا بد من بيان شرائط هذه الرياسة وغايتها فلا بد من أن تبين الغاية أولا حتى يعرف الشرائط بطريق البرهان الآني فنقول: غاية الإمام تكميل كل واحد من الناس بقدر استعداد ذلك الشخص الذي يروم كماله فتارة يخاطب الناس بالمحكم من الخطاب وتارة بالمتشابه وفي المعقولات تارة بالبرهان وتارة بالخطابة وتارة بالجدل فيرشد الناس كلا على قدر بصيرته ويرتب كل قوم في مرتبتهم التي تليق بهم الرئيس في موضعه ومرتبته والمرؤوس في مرتبته ويراعي جانبي الحق والعدل فيهم ويكمل قواهم العلمية والعملية ويكسر قواهم الغضبية والشهوانية والوهمية ويقوي القوى العقلية في جانبي العلم والعمل على الوجه الأصوب وغايته رفع الخطأ عن العالمين إن أطاعوه وهذا الرئيس له شروط أربعة:
الثاني: أن يكون له الفضل التام الذي يؤدي إلى الغاية المطلوبة في الدين والدنيا من العلم والعمل وإرشاد الناس وغير ذلك من أنواع الفضائل بحيث لا يكون أحد أفضل منه لا في العلم ولا في العمل لأن الغاية المطلوبة من الإمام هو حمل المكلفين على فعل الطاعة وترك المعصية فلا يتم إلا بطاعة المكلف ولا يتم ذلك إلا بأن يعلم المكلف أن فيه من صفات الكمال ما ليس لغيره ليحصل له ترجيح في نفسه ولا يتم إلا بصفة العلم والعمل.
الثالث: أن تكون له قوة البرهان لأهله وجودة الاقناع لأهله ومهارة الجدل لأهله لأن ذلك من شرائط التكميل.
الرابع: أن يكون له في نفسه قوة الجهاد إن تبعه المكلفون وأن يتبع في جميع ذلك للنص الإلهي وسنة النبي صلى الله عليه وآله وأن يستنبط بما هو مصرح به ما ليس بمصرح به ما يرجحه على طريق الحجة عقلا أو شرعا فلا بد أن يكون عارفا بدقايق النص الإلهي وسنة النبي صلى الله عليه وآله ودلالاتها التي هي حجة في الشرع بحيث لا يخرج عن طريق النبي والكامل هو الذي يعرف سنن الأنبياء المتقدمين بحيث لورد اليهود إذا ترافعوا إليه إلى ملتهم علم مطابقة ما يحكم به حاكمهم لملته وعدم مطابقته وإلى هذا أشار علي عليه السلام بقوله: (والله لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة وبتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم إلى آخر الحديث واختلفوا في اشتراط وذلك كله لا يتم بجميع أجزائه وشرايطه إلا في المعصوم العالم بجميع ما ذكرناه العامل في جميع الأحوال بما هو وغيره من المكلفين مكلف به وهو المطلوب.
السادس والستون: قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) أي أعطيناهم أسباب الكرامة وقال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والتقوى إنما يتم بالعدول عن الشك إلى اليقين واتباع غير المعصوم ليس
السابع والستون: غير المعصوم إذا علم من يحتاج إلى إمام وما وجه الحاجة إلى الإمام وفي ما يحتاج إلى الإمام فيه علم أن الإمام يجب أن يكون معصوما أما أولا فنقول المكلفون غير الإمام والنبي على قسمين أحدهما:
المعصومون فأما أن يكونوا ممن يجب عليه الجهاد أولا والأول يحتاج إليه في اجتماع الناس والتقدم في الحروب فإن الجهاد لا يتم إلا بجامع للناس وقاهر لهم على ذلك وهو المتقدم يكون أولي بالأمر والنهي وإن لم يجب عليه الجهاد يحتاج إليه في نظام النوع لا يتم إلا بالرئيس وقد يحتاج إليه في نقل بعض الأحكام وإمامة غيره تستلزم كون الإمام معصوما لما يأتي ولاستحالة تقديم المفضول على الفاضل فيما يحتاج إلى الفضل فيه وما وجه الحاجة فيه المفضولية لأنه يضاد حكمة الحكيم وثانيها غير المعصوم فيحتاج إلى الإمام في أمور:
الأول: كونه لطفا في فعل الواجبات واجتناب القبائح وارتفاع الفساد لأن من لا يغلب عقله على قوته الوهمية وقواه الشهوانية والغضبية ونفسه الأمارة فعل الواجبات عنده يستلزم التعب العاجل والامتناع عن القبائح يستلزم فوات لذات حسية ووهمية والتقدير أن المقتضي لهذه اللذات غالب على قوته العقلية والفساد رفعه يقتضيه القوة العقلية وموجبة القوة الغضبية والتقدير أنها غالبة على العقلية في كثير من الناس وهو الواقع في نفس الأمر فالإمام يقوي القوة العقلية ويقهر القوى الوهمية والشهوية والغضبية وإذا لم يكن الإمام معصوما ثبت فيه وجه الحاجة إلى إمام آخرا ويلزم التسلسل والانتهاء إلى معصوم.
الثاني: انتظام أمر الخلق وقهر المفسدين على الوجه الأكمل وإنما يحصل ذلك بالمعصوم.
الرابع: الإمام هو المفزع في المسائل التي وقع الخلاف فيها بين المسلمين وأئمة الفقهاء المحققين ليبين ما وجه الترجيح في الأدلة الشرعية التي هي كالمتكافئة وبيانه واضح مما تقدم.
الخامس: غلبة الشهوة على أكثر المكلفين وذلك يوجب تشتت شملهم وتفرق جمعهم والإمام يرفع ذلك فلا بد أن تكون صفات الإمام تنافي الصفة التي اقتضت ذلك في غيره ولكن المقتضي في غيره عدم العصمة فتكون صفة الإمام العصمة ولأن المقتضي في غير المعصوم ذلك هو غلبة القوى الشهوية والوهمية والغضبية ومغلوبية القوى العقلية فإذا صارت صفة الإمام هذه الصفة كانت القوة العقلية فيه كاملة غالبة للكل وهي المقتضية لعدم الاخلال بالطاعات وعدم الاتيان بالمقبحات وهذا من باب البرهان الآني واللمي.
الثامن والستون: السهو جائز على الناقلين للأخبار النبوية في صورة لا يحصل فيها الاجماع ولا التواتر وقد سد باب الاستدلال على المكلف لأنه قد يغفل بعضهم عن الآثار الدالة على حكم شرعي فلم يكن للمكلف طريق إلى الاستدلال فتنقطع الحجة به فلا بد من حافظ للشرع وللأخبار عن سهو الناقلين ويكون منه الحجة لو فقدت الحجة من غيره وهو الإمام ولا بد وأن يكون معصوما وإلا لزم المحذور لأنه لو جاز عليه السهو كما جاز على غيره ثبت المحذور وهو سد باب الحجة على المكلفين: لا يقال هذا مبني على نفي حجية القياس والاستحسان أما على تقديرهما فلا، لأنا نقول: قد بينا بطلان القياس والاستحسان في الكتب الأصولية سلمنا لكنه جاز أن يكون هذا السهو في الأسباب والكفارات والحدود ولا يجوز القياس ولا الاستحسان فيهما وهذا الدليل ذكره المرتضى رحمه الله، قال قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد يقال لهم أتعلمون كون الإمام حجة باضطرار ونقضهم لا يؤثر في ذلك
الأولى: أنه فرض خلاف الواقع إن في النصوص الإلهية والأخبار النبوية ما هو متشابه وما هو مجمل وما هو مشترك وما يعجز عقول المكلفين بالعلم به يقينا وإن كثيرا من الأدلة اللفظية لا يفيد العلم فمع وقوع ذلك في الواقع فرض نقيضة وهو علم كل واحد واحد من المكلفين جميع أحكام الدين باضطرار يكون محالا ونحن إنما ادعينا حاجة المكلفين الذين لا يعلمون بعض أحكام الدين باضطرار وعلى تقدير ثبت المجمل والمشترك وغير ذلك من النصوص تحتاج إلى بيان هذا التقدير واقع في الواقع وكلما لزم الواقع فهو واقع وهو مطلوبنا واعتراضه لا يقدح فيها.
الثانية: ثبوت أحد الأمرين وهو أما استلزام العلم بالبعض بالضرورة للعلم بالكل بالضرورة وأما أن إمكان الشئ قائم مقام وجوده الفعلي في الفعل والتأثير وبيان ذلك بدليله هذا يسد باب الحاجة إلى الإمام في العلم بالأحكام في الجملة ولو ببعضها على تقدير كون العلم ببعضها باضطرار وإنما يتم ذلك أن لو استلزم العلم بالبعض باضطراره العلم بالكل بالفعل باضطرار أو كون إمكان السبب قائما مقام الفعل فإن الذي يسد باب الحاجة في العلم إلى الإمام كون المكلفين عالمين بجميع أحكام الدين باضطرار بالفعل وهو قد بين الامكان فإن ادعى كون الامكان قائما مقام الفعل فهو الأمر الثاني وإلا لم يحصل مطلوبه فإن الامكان مع فرض وقوع النقيض المحوج إلى الإمام لا يسد باب الحاجة وبطلان الأمرين ظاهر فدليله هذا غير تام.
الثالثة: انحصار وجه الحاجة إلى الإمام في العلم أو استلزام الاستغناء
الرابعة: العلم بكون الإمام حجة مساو للعلم بتمايز الأحكام الشرعية وهو ممنوع لجواز كون العلم بكون الإمام حجة أظهر فإن النتايج التي من مقدمات يقينية أشد علما وأكبر من مقدمات غير يقينية والتحقيق أن العلم بكون الإمام حجة من قبيل فطرية القياس.
التاسعة والستون: قوله تعالى: (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون) وجه الاستدلال أن الله تعالى إنما أرسل الرسل لينذروا المكلفين ليحصل للمكلف التقوى والتقوى اجتناب ما فيه شبهة والأخذ باليقين ولا يحصل إلا من المعصوم فتجب عصمة الرسل ونصب الإمام ليقوم مقام الرسل عليهم السلام في إنذار الخلايق وتحصل للمكلف به الغاية القصوى التي هي التقوى وإنما يتم ذلك بالعصمة فيجب عصمة الإمام.
السبعون: قوله تعالى ولعلكم ترحمون الرحمة الموعودة في مقابلة الانذار ليست بتفضل والرحمة الموعودة هنا هي عدم العذاب بوجه من الوجوه وإنما يتم أن لو علم من المبلغ حجته وأنه معصوم في النقل والفعل وحجية قوله وإنما يتم ذلك من المعصوم والإمام قائم مقامه فيه، اعترض أبو علي الجبائي بأن الإمامية جوزوا أن يكون الإمام مغلوبا بالجوارح وممنوعا بالأعداء بل الواقع عندهم ذلك فإن كان الغرض منه نفس وجود إمام في الزمان وإن لم يبلغ ولم يقم بالأمور وصح ذلك فجاز أن يكون القائم بذلك جبرائيل أو بعض الملائكة المقربين في السماء ويستغني عن وجوده في الأرض لأن المعنى الذي يطلب الإمام لأجله عندكم يقتضي ظهوره وإذا لم يظهر كان وجوده كعدمه وكان كونه في الزمان بمنزلة كون جبرئيل في السماء، أجاب عنه السيد المرتضى رحمه الله بأن الغرض لا يتم بوجود الإمام خاصة بل مع وجوده بأمره ونهيه وتصرفه وتمكنه من إقامة الحدود والجهاد لأن بهذه الأمور يكون لطفا لأنه بهذه الأمور يكون المكلف أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية لكن الظلمة منعوا مما هو الغرض فاللوم فيه عليهم والله تعالى المطالب لهم ولما كان الغرض
الحادي والسبعون: الإمام فيه مصلحة تقتضي وجوب نصبه قطعا أما عندهم فبالشرع وأما عند القائلين بوجوبها عقلا فبالعقل.
فنقول: المصلحة الحاصلة من الإمام إما أن يكون حصولها من المعصوم أرجح من لحصولها من غيره أو مساويا لحصولها من غيره أو حصولها من غيره أولى من حصولها منه والكل باطل إلا الأول أما بطلان ما عدا الأول
الثاني والسبعون: إنما يتم فائدة نصب الإمام إذا كان قوله وفعله حجة فنقول: إما أن يفيد قوله العلم أو الظن أو لا يفيد قوله واحدا منهما والثالث ينفي فائدة الإمام والثاني نهى الله تعالى عن اتباعه لقوله تعالى: (أن يتبعون إلا الظن وأن الظن لا يغني من الحق شيئا) ذكره على سبيل الذم فتنتفي فائدته أيضا فتعين الأول فنقول: لا شئ من غير المعصوم يفيد قوله أو فعله العلم بالضرورة وكل إمام يفيد قوله أو فعله العلم ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة من الشكل الثاني وهو المطلوب.
الثالث والسبعون: دائما أما أن يكون الإمام معصوما أو لا يندفع وجه الحاجة إلى الإمام به مانعة خلو والثاني باطل منتف بالأول ثابت فنحتاج هنا إلى مقدمتين إحديهما بيان صدق مانعة الخلو وتقريره أن وجه الحاجة إنما هو جواز الخطأ على المكلفين وجواز السهو وإهمال الناقلين وإهمال حدود الله تعالى فإذا لم يكن معصوما تحقق في الإمام وجه الحاجة فلم يندفع وجه الحاجة لا عنه ولا عن غيرة وأما بيان بطلان الثاني وانتفاؤه فلاستلزامه الاحتياج إلى إمام آخر فإن كان معصوما كان هو الإمام والأول غير محتاج إليه وإن لم يكن معصوما احتاج إلى إمام آخر والتسلسل باطل.
الرابع والسبعون: أحد الأمرين لازم وهو إما عصمة الإمام أو جواز احتياج المكلفين إلى إمام مع عصمتهم والثاني باطل فتعين الأول فهنا مقدمتان إحديهما لزوم أحد الأمرين والثانية بطلان الثاني.
أما المقدمة الأولى: فنقول إما أن يكون علة وجوب الإمامة ارتفاع العصمة عن المكلفين وجواز فعل القبيح منهم ووقوع السهو عليهم والضابط في ذلك كله عدم العصمة أو يكون العلة غير ذلك فإن كان الثاني لم يمتنع أن يثبت حاجتهم إلى الإمام مع عصمة كل واحد منهم لأن العلة إذا لم تكن عدم
وأما المقدمة الثانية: وهو بطلان جواز احتياج المكلفين إلى الإمام مع عصمتهم فلأنه لو جاز ذلك لجاز أن يحتاج الأنبياء إلى الأئمة والدعاة مع ثبوت عصمتهم والقطع على أنهم لا يفعلون شيئا من القبائح ولا يخلون بشئ من الواجبات وهو معلوم الفساد بالضرورة وهذا الدليل ذكره المرتضى اعترض عليه بعضهم بأنه لو كان عصمة الإمام مع قبول المكلفين دافعا لوجه الحاجة لم تستقر حاجة المكلفين إلى الإمام لجواز وقوع عصمتهم حينئذ لوجود الفاعل والقابل وانتفاء الصارف فثبتت العصمة فتنتفي حاجتهم إلى الإمام فجاز عدمه وأجاب بأن العصمة بالإمام لا تنفي الحاجة إليه وإنما ينفيها ثبوت العصمة لغيره بغيره لا يقال: هذا يعني على أن الباقي محتاج إلى المؤثر وقد ثبت بطلانه في علم الكلام، لأنا نقول: الجواب عنه من وجهين:
الأول: إن الحق هو احتياج الباقي إلى المؤثر وما ذكرتموه قد ثبت بطلانه في علم الكلام.
الثاني: هذا ليس من باب الباقي بل هو من باب الحادث لأن سهوات المكلفين وغضبهم وشهواتهم وفعل القبائح متجدد في كل وقت وكل حال فوجه الحاجة متجدد في الحقيقة في كل وقت.
الخامس والسبعون: علة الحاجة إلى الإمام المقتضية لوجوب نصبه هي علة الحاجة إلى عصمته المقتضية لوجوبها لكن وجوب نصبه ثابت فثبتت علته وثبت معلولها الآخر وهو وجوب عصمته فهاهنا مقدمات.
المقدمة الثانية: إن وجوب نصبه ثابت وذلك لأنا نبحث على هذا التقدير.
المقدمة الثالثة: أنه إذا ثبت وجوب نصبه ثبتت علته وهو ظاهر لأن ثبوت المعلول يستلزم ثبوت العلة.
المقدمة الرابعة: إنه إذا ثبتت العلة ثبت معلولها الآخر وهو وجوب العصمة وهو ظاهر.
السادس والسبعون: لا شئ من الإمام بداع إلى النار بالضرورة وكل غير معصوم داع إلى النار بالامكان ينتج لا شئ من الإمام بغير معصوم بالضرورة فهاهنا مقدمات:
المقدمة الأولى: بيان الصغرى وتقريره أنه لو جوز المكلف أنه يدعو إلى النار لوجب الاحتراز عنه وعن قوله لأنه يحصل له الخوف منه ودفع الخوف واجب فكان يجب الاحتراز عنه وهو نفي فائدة الإمام.
المقدمة الثانية: بيان الكبرى وهي ظاهر فإن غير المعصوم يجوز عليه الخطأ والسهو.
وأما المقدمة الثالثة: فإنتاجه فلا شئ من قول الإمام وفعله بمحتمل للخطأ.
وأما المقدمة الرابعة: فكون النتيجة ضرورية وقد بينا البرهان عليهما في المنطق.
المقدمة الأولى: أن قول الإمام وفعله من جملة المبادي للأحكام الشرعية وهو ظاهر لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، فجعل الله تعالى طاعة الإمام كطاعة الله تعالى وطاعة رسوله.
المقدمة الثانية: إنه لا شئ من المبادي للأحكام الشرعية التي كلف الله تعالى العمل بها بمحتمل للغلط لأنا لا نعني بالصواب إلا ما وافق أمر الله جل ذكره.
المقدمة الثالثة: إن كل غير معصوم قوله وفعله محتمل للخطأ لأنه إذا كان ليس بمعلوم بالضرورة ولا دليل قطعي عليه احتمل الخطأ قطعا.
المقدمة الرابعة: أنه ينتج ضرورية لأن الصغرى وهي قولنا كل إمام قوله وفعله لا يحتمل الخطأ في قوة قولنا كل إمام قوله وفعله ليس بخطأ بالضرورة والشكل الثاني إذا كانت إحدى مقدمتيه ضرورية تكون نتيجته ضرورية.
الثامن والسبعون: الإمام ركن من أركان الدين لأن قوله مبدأ من المبادي وهو الحافظ للشرع والعامل به والذي يلزم العمل به فإذا كان معصوما كان الدين كاملا وإن لم يكن معصوما لم يكن الدين كاملا، لكن قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) فدل على ثبوت إمام معصوم بالضرورة.
التاسع والسبعون: كلما كان الإمام بالنص كان معصوما لكن المقدم