الثمانون: الإمامة في اللغة عبارة عن الشخص الذي يؤتم به ويقتدي كالرداء اسم لما يرتدي به واللحاف اسم لما يلتحف به إذا ثبت ذلك فنقول لو جاز الذنب على الإمام فحال الإقدام على الذنب إما أن يقتدي به أو لا يقتدي به فإن كان الأول كان الله قد أمر بالذنب وأنه غير جائز وإن كان الثاني خرج الإمام عن كونه إماما لأن المأموم إذا رأى ما علم حسنه فعله وإذا رأى ما علم قبحه لم يفعله فحينئذ لا يكون متبعا ولا مقتديا به بل يكون متبعا للدليل وذلك يقدح في كونه إماما فثبت أن الخطأ على الإمام غير جائز.
الحادي والثمانون: لو جاز الذنب على الإمام لزم أحد محالات خمسة أما عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو توقف فعله على المحال أو الدور أو اجتماع النقيضين أو استلزام وجود المعلول بدون علته واللازم بأقسامه باطل فالملزوم مثله بيان الملازمة أن الممكن لا يلزم من فرض وقوعه محال فلو جوزنا وقوع الخطأ من الإمام فبتقدير إقدامه على سفك الدماء واستباحة الفروج وأنواع الظلم إما أن يجب على الرعية منعه من هذه الأفعال أو لا يجب فإن لم يجب لزم الأمر الأول وهو عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن وجب فإما أن يجب على مجموع الأمة منعه عن ذلك أو
الثاني والثمانون: رياسة غير المعصوم في الدين والدنيا جالبة لخوف المكلف ودفع الخوف واجب ينتج رياسة غير المعصوم دفعه واجب ولا شئ من الإمام دفع رياسته بواجب فلا شئ من غير المعصوم بإمام والصغرى بينة والكبرى في الكلام مبنية والكبرى السالبة بديهية وهو المطلوب.
الثالث والثمانون: كل من ثبتت له الإمامة تحصل منه الغاية المقصودة من ثبوت الإمام ولا شئ من غير المعصوم يحصل منه الغاية المقصودة من ثبوت الإمام بالامكان ينتج لا شئ ممن تثبت له الإمامة بغير معصوم بالضرورة ويلزمها كل من تثبت له الإمامة معصوم بالضرورة فهنا مقدمات أربع كلها ثابتة.
المقدمة الأولى: الصغرى وبرهانه أن كل فعل صدر من عالم يفعله مختار حكيم فله غاية في فعله وكذا كلما أوجبه الشارع فله غاية والإمامة عندنا
المقدمة الثانية: الكبرى وبرهانها الغاية في الإمام كونه لطفا يقرب المكلفين من الطاعة ويبعدهم عن المعاصي إن قبلوا منه وأطاعوا له وسمعوا قوله وامتثلوا أمره ونهيه وحفظ الشرع والرواة عن السهو وإقامة الحدود وسد باب الخطأ وتمكن المكلف من العلم بالمسائل الاجتهادية إن أراده وحفظ نظام النوع وردع الفساد وإصلاح العباد وغير المعصوم يتوقع منه إمكان أضداد هذه وهذا ظاهر ضروري لا نزاع فيه.
المقدمة الثالثة: النتيجة فلما بينا في كتبنا المنطقية كنهج العرفان والأسرار وتحير الأبحاث أن اقتران الضرورية بالممكنة في الشكل الثاني ينتج ضرورية.
المقدمة الرابعة: لزوم اللازم عن النتيجة لا شك في أن النتيجة سالبة معدولة المحمول وهي تستلزم الموجبة المحصلة عند وجود الموضوع والإمامة ثابتة عندنا وعندهم ولما بينا في كتبنا الكلامية وسيأتي هنا أن الزمان لا يخلو عن إمام.
الرابع والثمانون: إنما يأمر الله بطاعة واحد في كل أوامره ونواهيه ويوجبه على كل من عداه إذا علم الله تعالى أن جميع أوامره ونواهيه موافقة لأمره تعالى ونهيه ومطابقتها لأمر الشارع وإنما يجب اتباعه لذلك إذا علم أنه في فعله وتركه موافق لأوامر الشارع ونواهيه وهو الإمام وقد أمر الله تعالى بطاعته وهذا الأمر عام في أشياء:
الأول: في المكلفين أي في كل من عدا الإمام بعد النبي عليه السلام.
الثاني في الأزمان أي في كل الأزمنة.
الرابع: الأمر مغلق على كل من وصف بالإمامة ومحال أن يطلق الله تعالى أمره بطاعة شخص البشر بهذه العمومات الأربعة إلا ويعلم منه تعالى أنه مصيب في جميع أقواله وأفعاله وأنه غير مخطئ فيها لأن العقل الصريح والذهن الصحيح والبديهة السليمة والفطنة المستقيمة يدل على أن الحكيم العالم بالأشياء كلها القادر المختار الغني عن جميع الأشياء لا يأمر عباده ورعيته كافة باتباع شخص وامتثال أوامره ونواهيه ويعلم أنه قد يخالف غرضه ومراده من العباد في شئ أصلا، ولا نعني بالعصمة إلا ذلك.
الخامس والثمانون: عصمة النبي لطف في جميع أحواله التي هي ألطاف للمكلفين والوجوه المطلوبة منه قطعا ويشاركه الإمام في ذلك لأنه نائبة وقائم مقامه فيلزم منه أن يكون عصمة الإمام لطفا في جميع أحواله التي هي ألطاف للمكلفين والوجوه المطلوبة منه فيجب عصمته.
السادس والثمانون: كل غير معصوم مانع من ألطاف الإمام بالامكان ولا شئ من الإمام بمانع من ألطاف الإمام بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة والصغرى بينة والكبرى مبرهنة لأن الإمام إنما ينصب لألطاف بالضرورة، فمحال أن يكون هو مانعا منها بالضرورة، لا يقال: لا نسلم أن النتيجة ضرورية وقد بين في المنطق، لأنا نقول: قد برهن عليها في المنطق سلمنا لكن كون النتيجة دائمة مما لا شك فيه وبه يتم المطلوب.
السابع والثمانون: وجه الحاجة مباين لوجه الاستغناء لأنهما متضادان ضرورة ووجه الحاجة إلى الإمام لما استقرينا الصفات التي ذكروها في وجه الحاجة إلى الإمام رأيناها جميعها راجعة إلى شئ واحد وهو جواز الخطأ لأن قولهم يحتاج إليه في إقامة الحدود وأصلها فعل أحد الذنوب وفي أمارة الجهاد ويبني على الكفر أو البغي وذلك من الكبائر العظام وهو في الذنوب وفي الخصومات والحكومات وأحدهما على ذنب فوجوه الحاجة إلى الإمام كلها راجعة إلى جواز الخطأ والمنافي له العصمة وهو وجه دفع الحاجة فلو لم يكن
الثامن والثمانون: إمامة غير المعصوم تعطل بعض الشرع وتنافي الحق بالامكان ولا شئ من الإمامة الصحيحة بمعطلة لشئ من الأحكام الشرعية ومنافية للحق بالضرورة، ينتج لا شئ من إمامة غير المعصوم بإمامة صحيحة بالضرورة وهو المطلوب والمقدمتان معلومتان بالبديهة.
التاسع والثمانون: إمامة غير معصوم تنافي الغرض النبوة بالامكان ولا شئ من الإمامة الصحيحة المعتبرة شرعا بمتنافية لغرض النبوة في شئ من الأوقات بالضرورة، ينتج لا شئ من إمامة غير المعصوم بصحيحة ولا معتبرة شرعا، أما الصغرى فلأن غرض النبوة إرشاد الخلق وحملهم على الحق ووقوع أفعالهم على نهج الشرع المطهر وأن لا يخالفوا الشرع وغير المعصوم يمكن أن يحملهم على خلافه ويسفك الدماء وينهب الأموال ويحبط نظام العالم وقد جرب ذلك في تقدم غير المعصومين وادعائهم الرياسة والإمامة، وأما الكبرى فلأن الإمام لتأكيد الشريعة وتقرير جميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وإلزام الشرايع للأمة ولأنه مقام النبي في جميع الأحكام، وأما النتيجة فقد ثبتت في المنطق وما عليها من الاعتراض والجواب المذكور فيما تقدم وتحقيقه وتنقيحه في المنطق.
التسعون: سبيل الإمام هو سبيل كل المؤمنين والثاني هو حق دائما فكذلك الأول وكل من كان سبيله حقا دائما فهو معصوم لأن السبيل هو الطريق ويطلق أيضا على أحوال الإنسان كلها أعني أفعاله وأقواله وتروكه وجميع ما يتعلق به فإذا كانت كلها حقا كان ذلك الإنسان معصوما وإنما قلنا إن الطريق يطلق على ذلك لأن المشهور في العرف ذلك حتى أنه بلغ إلى الحقيقة العرفية أو أغلب من اللغوية وإنما قلنا إن سبيله سبيل كل المؤمنين لأن كل عدا الإمام يجب عليه اتباع الإمام ولا يجوز له مخالفته وإنما قلنا إن سبيل المؤمنين لقوله تعالى: (ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) فهذا تحذير وتحديد لمن عدل عن سبيل المؤمنين.
أما الأول: فلأن نفوذ حكمه على كل من عداه إنما وجب شرعا لأجل إرشاد الخلايق وحملهم على الشرع المطهر وتنفيذ الأوامر والنواهي وإنما يتم وثوق المكلف بحصول الغاية منه إن لو جزم بأنه لا يأمر إلا بالصواب ولا ينهي إلا بما يوافق الكتاب ولا يفعل شيئا ينافي المشروع ولا يجزم بذلك إلا بالجزم بعصمته واستحالة المعاصي على حوزته.
وأما الثاني: فلأن عدم نفوذ حكم غيره عليه واستقلاله بالرياسة العامة في الدنيا مع عدم العصمة قد أمكن أن يحمله على التغلب وطاعة الشهوية والغضبية بل هو الواقع في أكثر الأحكام وذلك يخل بقائدة الإمامة فيتعين أن يكون معصوما.
الثاني والتسعون: قوله تعالى ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) هذه الآية تدل على أن الإمام معصوم وتقديره أن نقول حصر العالم في فريقين أحدهما الذين اتصفوا بصفات ثلاث أحدها الإيمان ثانيها عمل الصالحات ثالثها الاخبات إلى ربهم والصالحات عام في جميع الصالحات لوجهين:
أحدهما: إنه جمع محلى بلام الجنس وقد ثبت في أصول الفقه أنه للعموم.
وثانيهما: إن قوله أصحاب الجنة والأصل في الاطلاق الحقيقة والصاحب إنما يصدق على المالك أو المستحق أو المتولي والثالث: غير مراد أجمع فتعين أحد الأولين وقوله أولئك أصحاب الجنة
الأول: إنها دالة على عصمة المجموع من حيث هو مجموع فإن المجموع جاز أنهم هم الذين لم يخلوا بشئ من الطاعات وليس يدل على أن كل واحد واحد كذلك.
الثاني: إن دلالة ترتب الحكم على الوصف على العلية دلالة مفهوم ودلالة المفهوم ضعيفة وهذا المطلوب أمر عظيم مطلوب مهم فلا يصح الاستدلال فيه بالظني.
الثالث: إن المقابلة بين العمى والبصر والسمع والصمم مقابلة العدم والملكة وهما لا يقسمان النقيضين فلا يدل على الحصر.
الرابع: إن قوله الذين آمنوا وباقي الصفات وأحوالهم مهملة وقوله السميع والبصير والأعمى والأصم مهملتان أيضا والمهملة في قوة الجزئية فلا يتناقضان.
الخامس: إنه ذكر هؤلاء في مقابلة ((ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون) (لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون) ولا شك أنه لا حصر في الترديد بين الكافرين وبين المعصومين فلا يلزم أن يكون
لأنا نقول: الجواب عن الأول إن الحكم المعلق على صفة أين وجدت الصفة وجد هذا معلق على صفة فأين وجدت وجد ولا يشترط فيه الاجماع والافتراق.
وعن الثاني: إن الوصف إذا لم يكن في ذكره فائدة إلا التعليل به وجب التعليل به وهو هنا كذلك وإلا لخلا عن الفائدة هذا خلف.
وعن الثالث: إن مع وجود الموضوع وقبوله يبقى التقابل بين العدم والملكة مساويا للتقابل بين النقيضين في هذه الصورة.
وعن الرابع: إن المراد هنا الكلية بالاجماع.
وعن الخامس: إنه تعالى ذكر حكم الفريقين معلقا بوصفين عامين وهما يقتسمان النقيضين فدل على الحصر بيان ذلك أنه تعالى قال: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) والأعمى هو الضال وهو يصدق بآحاد الذنوب والأصم بالنسبة إلى بعض الذنوب صادق في الجملة أيضا لأنها مطلقة عامة والسميع يقابله والبصير هو الذي يقابله هو الذي لا يعرض له عمى الاضلال فهو يقابله ولوجود الموضوع وقبوله الملكة يقتسمان النقيضين في تلك الحال.
الثالث والتسعون: استدل الأصوليون على عصمته بقوله تعالى:
(ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) إن حرم ترك اتباع سبيلهم في شئ ما يستلزم وجوب اتباع سبيلهم في كل الأشياء والسبيل هو أقوالهم وأفعالهم وتروكهم فيلزم أن يكون ذلك كله حقا لأنه لو لم يكن حقا لم يوجب الله عز وعلا اتباعه وتوعده على تركه بالنار والعذاب ولا نعني بالعصمة إلا ذلك إذا تقرر ذلك فنقول: الله أمر جميع المكلفين النبي وغيره بطاعته وأمر من عدا النبي بطاعة النبي عليه السلام وأمر من عدا الإمام بطاعة الإمام ثم جعل طاعة الإمام مساوية لكل واحدة من الطاعتين لقوله عز وجل:
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فعطف أولي الأمر على
الرابع والتسعون: دلت هذه الآية وآية وجوب طاعة الإمام ومساواتها لطاعة النبي صلى الله عليه وآله على أن الأصل في فعلهم أمر الإمام وفعله وتركه أو نهيه أو إباحته أو استباحته فدلالة ذلك على عصمة الإمام أولى وأجدر.
الخامس والتسعون: الله تعالى حكم في كتابه العزيز بأنه يخرج المؤمن من كل الظلمات إلى النور ولا يتم إلا بعصمة الإمام وعدم خلو الزمان من إمام معصوم فوجب ذلك لأن وعد الله تعالى في حكم الواقع لأنه يجب وقوعه ويستحيل خلفه بمقدمتين أما المقدمة الأولى فلأن لفظ الظلمات عام لأنه اسم جنس معرف باللام فيعم لما تحقق في الأصول. وأما المقدمة الثانية فتتوقف على مقدمات الأولى أن الجهل ظلم وهو ظاهر الثانية الحكم بخلاف ما أنزل الله تعالى ظلم وكذا إذا لم يحكم بما أنزل الله لقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) الثالثة عدم إصابة حكم الله في الأحكام ظلمة لأنه جهل الرابعة التحير والخوف وتجويز الخطأ أيضا ظلمة وهو ظاهر إذا عرفت ذلك فقول لو لم يكن الإمام معصوما لجاز حمل الناس على الخطأ ولم يكن لهم طريق إلى العلم بحكم الله تعالى في الوقائع الشرعية فإنها لا تنضبط فلا يمكن الخلاص من ذلك إلا بنصب إمام معصوم فلو لم ينصب إماما معصوما لزم خلاف الوعد من الله تعالى وخلاف الوعد من الله تعالى محال فعدم نصب إمام معصوم محال وهو المطلوب.
السادس والتسعون: قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) والإمام يجب الركون إليه في أحكامه وأوامره ونواهيه في أعظم الأشياء كالدماء والحروب وكلما لم يحكم الإمام بما أنزل الله كان ظالما لما تقدم من النص الإلهي في القرآن العظيم وهنا مقدمتان عقليتان أحدهما إن دفع الخوف واجب عقلا وهي مقدمة مسلمة لأن دفع الضرر المظنون واجب
يندفع خلله مع وجود الإمام المعصوم وأما مع عدم عصمة الإمام فلا يمكن انسداد هذا الباب.
السابع والتسعون: قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فنقول كل ذنب ظلم لقوله تعالى:
(ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) والمراد بالحدود هنا الأوامر والنواهي بإجماع الأمة وليس المراد الكل بل كل واحد بانفراده ظلم بإجماع الأمة وقوله تعالى ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قوله بظلم نكرة في معرض النفي فيكون للعموم فيلزم ألا يصدر مع إيمانهم منهم ذنب وهذا معنى العصمة ولا شك أن النبي صلى الله عليه وآله له هاتان المرتبتان لأنه داع للناس إلى الأولى أعني تحصيل الأولى والثانية منها بل أي واحد كان منها وهي عامة في كل أمر ونهي بمعنى أن تعدي كل واحد به نفي الظلم والذنوب فيكون معصوما والإمام قائم مقامه لأن طاعته مساوية لطاعة النبي فيكون داعيا إلى المرتبتين فلا بد من تحققهما فيه فيكون الإمام معصوما.
الثامن والتسعون: الأمن والهداية بحصول هاتين المرتبتين كما ذكر في هذه الآية والإمام طريق إليهما لأنه هاد وبه يحصل الأمن للمكلف وغير المعصوم ليس كذلك بالضرورة ولحصول الخوف من امتثال أوامره ونواهيه وخصوصا فيما بني على الاحتياط التام كالدماء والفروج فإن غير المعصوم يجوز
التاسع والتسعون: قوله تعالى: ((وهديناهم إلى صراط مستقيم) (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده) المطلوب الغاية من نصب الإمام الهداية وهو ظاهر ولمساواة طاعته لطاعة النبي وكونه قائما مقامه والصراط المستقيم هو العصمة فهو داع للخلق إلى هذه المرتبة ويحصل من طاعته وإلا لم يأمر بها الله تعالى فلا يكون إلا معصوما وهو المطلوب.
المائة: قوله تعالى: (إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس) ثم قال تعالى:
(وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون) وجه الاستدلال أن القرآن الكريم ناسخ للتوراة والناسخ أكمل من المنسوخ فيلزم أن يكون نورا وهدى للناس ولفظ النور هنا مجاز والمراد به واضح الدلالة بحيث تكون يقينية لا تقبل الشك ثم أكد بقوله هدى للناس وهو عام في أهل كل عصر ثم أثبت كونه هدى للناس فلا بد من ثبوت مهتد بالفعل لأن كل موضوع القضية الموجبة يجلب الحكم فيها على ما صدق عليه عنوان الموضوع بالفعل وكونه هدى بالفعل يستلزم ثبوت مهتد بالفعل ولا يصدق أن فلانا مهتد إلا مع كونه مهتديا في جميع أفعاله لأن قولنا فلان ضل مطلقة عامة يستعمل في تكذيبها فلان مهتد وبالعكس عرفا وهي مساوية لنقيضها فتكون في قوة سالبة كلية عرفا فقد ثبت أن في كل عصر لا بد من له صفتان أحدهما أن له علما بدلالات القرآن يقينا علما ضروريا من قبيل فطري القياس والثانية أنه مهتد بالفعل دائما في جميع أفعاله وهو المعصوم.
المائة التاسعة
الأول: قوله تعالى: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن أتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون) وجه الاستدلال أن هذه الآية عامة في كل عصر والإمام لا بد أن يحمل الناس عليها إن امتثلوا أمره وتابعوا فعله فلا بد وأن تكون فيه هذه الصفة فلا بد في كل عصر من إمام متصف بهذه الصفة وهو المعصوم لأن قوله فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون عام لأن النكرة المنفية للعموم وهو جواب لقوله تعالى:
(فمن اتقى وأصلح) وكل غير معصوم يخاف ويحزن لقوله تعالى:
(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره))، وقوله تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد)، فدل على أن من ذكرناه معصوم.
الثاني: قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) وجه الاستدلال أن الله سبحانه وتعالى نصب الإمام لحمل الناس على هذه المرتبة فلا بد وأن تكون فيه والصالحات جمع محلي باللام فيفيد العموم فالإيمان وعمل الصالحات يشتمل على ترك المعاصي لأنه حكم بأنهم أصحاب الجنة المستحقون لها فلا يتم إلا بترك المعاصي فالإمام معصوم وهو المطلوب.
الرابع: قوله تعالى: ((ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق) إلى قوله تعالى: (قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) وجه الاستدلال أنه تعالى فصل الكتاب إلى أحكامه على علم فنفي الظن فيلزم أن تكون جزئيات أحكامه معلومة وأكد ذلك بقوله هدى وإنما يكون بالعلم فإما أن يكون في كل زمان أو في زمن واحد لا غير والثاني محال لعدم اختصاص لطفه تعالى بقوم دون قوم فلا بد يكون الإمام عالما بذلك ومهتديا في كل الأمور فهو المعصوم وهو المطلوب.
الخامس: قوله تعالى: (نبؤني بعلم إن كنتم صادقين) الشرط إذا تأخر كان في الحقيقة متقدما وما قبله التالي يقرره إن كنتم صادقين فنبئوني بعلم شرط في صدق المنبئ عن الله تعالى بالأحكام أن يكون خبره عن علم لأن إن للشرط ولأن الحكم إذا علق بوصف يصلح للعلية دل على العلية فيصدق كل صادق في أنبائه عن الله تعالى فانباؤه عن علم وينعكس بعكس النقيض كل من ليس انباؤه عن علم فليس بصادق إذا تقرر ذلك فنقول الإمام صادق في كل أنبائه عن الله تعالى وكل صادق في انبائه فانباؤه بعلم ينتج أن الإمام في انبائه عن الله عز وجل بعلم فقد حصل معنا مقدمتان:
أحدهما: إن كل إمام يخبر فهو صادق في كل ما يخبر به عن الله تعالى في الأحكام الشرعية.
ثانيهما: إن كل إمام فهو عالم بكل الأحكام علما لا ظنا إذا ثبت ذلك
السادس: قوله تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الأيمن وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون) وجه الاستدلال بهذه الآية من وجوه الأول إن هذه الآية فيها مراتب خمس مع كمالها تحصل صفة الرشد التي لا يتصف بها الأمر كملت فيه هذه المرتبة الأولى الإيمان المرتبة الثانية أن يكون مزينا في قلوبهم بمعنى أن يكون لهم علم اليقين وعين اليقين وإليهما أشار إبراهيم عليه السلام في سؤاله: (رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) ولا يرد أن المعقول أقوى من المحسوس فكيف يؤكد المعقول بالمحسوس لأن علمه من قبيل فطري القياس ثم أراد إدراكه حيا فالأول في الإيمان حصل له العلم، والثاني الادراك الحسي فيكون قد أدركه عقلا وحسا ثم سلمنا لكنه سأل عن الكيفية المحسوسة ثم أراد الله تعالى أن ينفي عن إبراهيم اعتقاد المبطلين إنه كان شاكا في ذلك والله علم أنه لا يشك لكن أراد بالسؤال نفي وهم المبطلين الشاكين في كمال الأنبياء فأظهر فائدة سؤال إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى: أولم تؤمن وجواب إبراهيم فهنالك يعني ضلالة كل من شك في شئ، المرتبة الثالثة نفي الكفر والتبرئ منه واعتقاد بطلانه باعتقاد علم اليقين وعين اليقين كالإيمان، المرتبة الرابعة نفي الفسوق، المرتبة الخامسة نفي العصيان وهو عام لأن نفي الماهية لا يتم إلا بنفي جميع جزئياتها فإذا كان الراشد من كملت هذه المراتب فيه بإرسال النبي ونصب الإمام الذي هو نائبه وقائم مقامه لإرشاد الخلائق وحملهم على هذه المراتب كلها فلا بد وأن يكون النبي والإمام راشدين حتى تتم دعوتهما ولا يحتاجان إلى غيرهما ولا ينقطع حاجة من ليس فيه هذه الصفات إلا بمن تكمل هذه الصفات فيه وإلا لزم له تسلسل الحاجة وعلى تقدير التسلسل لا ينقطع الحاجة وهذا معنى العصمة بالضرورة فيكون الإمام معصوما.
الثالث: قوله تعالى: (أولئك هم الراشدون) يدل على انحصار الراشد في هؤلاء لأنها صيغة الحصر وخصوصا مع التأكيد فغير هؤلاء ليسوا براشدين فالإمام إما رشاد أوليس براشد والثاني محال لأنه لا شئ ممن ليس بمراشد مرشد مطلقا بالضرورة وكل إمام مرشد مطلقا بالضرورة ينتج لا شئ ممن ليس براشد مطلقا بإمام بالضرورة فتعين القسم الأول وهو أن يكون الإمام من هؤلاء فهو معصوم لما تقرر وهو المطلوب.
السابع: اتباع الإمام موجب لمحبة الله تعالى بالضرورة ولا شئ من المذنب اتباعه موجب لمحبة الله تعالى فلا شئ من الإمام بمذنب بالضرورة أما الصغرى فلمساواة اتباع الإمام لاتباع النبي لقوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، فجعل طاعة الإمام وطاعة النبي متساويتين واتباع النبي موجب لمحبة الله تعالى لقوله تعالى: (فاتبعوني يحببكم الله) فكذا اتباع الإمام وأما الكبرى فلقوله تعالى إن الله لا يحب المعتدين والمذنب معتد بالضرورة.
الثامن: كل إمام مصلح بالضرورة لأنه غاية إمامته لقوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) والجمع المضاف للعموم ولا شئ من غير المعصوم بمصلح بالامكان، وهو بديهي فلا شئ من الإمام بغير معصوم بالضرورة لما بين في المنطق وهو يستلزم كل إمام معصوم بالضرورة لوجود الموضوع وهو المطلوب.
التاسع: قوله تعالى: (والله لا يهدي القوم الفاسقين) وجه الاستدلال أن نقول الإمام هاد لكل من هو إمام له بالضرورة وكل هاد يهديه الله بالضرورة ينتج الإمام يهديه الله بالضرورة فنجعلها صغرى لقولنا لا شئ
الأولى: الإمام هاد لكل من هو إمام له لقوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) فالإمام هو هادي المأموم إلى الحق.
الثانية: كل هاد يهديه الله بالضرورة لقوله تعالى: (ومن يهد الله فهو المهتدي) ولاتفاق الأمة عليه أما الأشاعرة فظاهر وأما المعتزلة فلأن العقل والاستعداد من فعل الله تعالى.
الثالثة: أن المراد من قوله تعالى: (القوم الفاسقين) إما كل واحد أو الكل وعلى التقديرين فالمطلوب حاصل أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلأن الفسق ليس بهداية فالفاسق حال فسقه غير مهتد بالضرورة.
الرابعة: إن كل غير معصوم فاسق بالامكان وهو ظاهر إذ العصمة هي بامتناع الذنب والفسق بإمكانه.
العاشر: قوله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) الآية، وجه الاستدلال أن القوة الشهوية مرجحة لارتكاب الشهوات ثم هي محبوبة زين للناس حبها فقد حصل ترجيح من هذه الوجوه الثلاثة وذلك يوجب لمن ضعف عقله مقاومة هذه المرجحات وهم أكثر الخلق على ما نشاهده وذلك يوجب ارتكاب المحرمات وعدم الالتفات إلى الشرع فلا بد من رادع فكل غير معصوم فيه هذا بالامكان ولأن القوى متفاوتة غير منضبطة فالرادع هو الرئيس ولا بد أن يمتنع منه هذه الأشياء وإلا لساوى غيره بل يكون الرياسة له معينة وتمكنه وعدم ممانعة غيره فإن غيره لا يقواه فوجب أن يحكم بامتناع ذلك منه حتى يكون الناس له أطوع ولا نعني بالمعصوم إلا ذلك وهو المطلوب.
الحادي عشر: قوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض
أحدها: إن لله تعالى في كل واقعة حكما واحدا وهو الحق وأنه لا يختلف باختلاف الاجتهاد.
الثانية: هذه الآية عامة في الأزمان والمكلفين وهو ظاهر والمكلف به من الأفعال والتروك أما الأوامر من جهة المعروف والنواهي من جهة المنكر ثم أكد بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لشدة الاهتمام بهما وأكد الجميع وعمومه بقوله ويطيعون الله ورسوله.
الثالثة: إن اختلاف الآراء وتضاد الشهوات واستهانة الجهال الشريعة يقتضي اختلال نظام النوع إذا تقرر ذلك فنقول الآية تقتضي أنه لا بد من نصب رئيس واحد يأمر الكل وينهاهم ويحملهم على ذلك وإلا لزم وقوع أحد الأمرين أما وقوع الهرج والمرج واختلال نظام النوع إذ كل واحد يقول إن أمري هو المعروف ونهيي هو المنكر لأن كل واقعة مهمة فيها حكم وليس كل الأحكام معلومة للكل وجعل الاجتهاد من أي من اتفق مناطا يؤدي لي وقوع الفتن واختلال نظام النوع ونقض الغرض من التكليف وأما زوال التكليف أو عمومه في أحد ما ذكرنا وهو باطل بالاجماع ولا بد أن يكون ذلك الرئيس لا يجوز عليه الخطأ وأن يعمل منكرا أو يترك معروفا وإلا لاحتاج إلى إمام آخر وتسلسل ووقع الهرج واختلال نظام النوع ولا بد منه في كل زمان لأن تخصيص بعض الناس في بعض الأوقات بالمعصوم دون بعض ترجيح من غير مرجح وذلك هو الإمام فظهر أن الإمام معصوم ويجب في كل زمان.
الثاني عشر: قوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خلدا فيها وله عذاب مهين) وجه الاستدلال أن نقول كل غير معصوم يمكن أن يكون بهذه الصفة ولا شئ من الإمام بهذه الصفة بالضرورة وينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة لأن الإمام مركون إليه
الثالث عشر: قوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عبدين). هذا يدل على أن الأئمة لهم صفات أحدها إن الله تعالى وصفهم بقوله وجعلناهم أئمة وثانيها أنهم يهدون بأمر الله من هم أئمة لهم وثالثها إن الهداية بأمر الله أي لا يأمرون إلا بأمر الله ولا ينهون إلا عما نهى الله عنه ولا يفتون إلا بما حكم الله ورابعها أنهم يفعلون الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة ووصفهم بالعبادة هو عام في الخيرات والصلوات في كل الأوقات وكذا الزكاة والعبادات كلها.
الرابع عشر: قوله تعالى: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما).
الخامس عشر: قوله تعالى: (ولا تجدل عن الذين يختانون أنفسهم) الآية وجه الاستدلال أن كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك ولا شئ من الإمام يمكن أن يكون كذلك بالضرورة وإلا لم يحصل الوثوق بقوله ولا يحصل الطمأنينة والأمان بتبعيته ولجواز أن تفيد هذه الصفات المذمومة فيكون تبعيته سببا في الخوف ودفع الخوف واجب فترك تبعيته واجب فتنتفي فائدة إمامته وتنتج لا شئ من غير المعصوم بإمام وهو المطلوب.
السادس عشر: قوله تعالى: ((إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا) (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجدل الله عنهم يوم القيمة أم من يكون عليهم وكيلا) وجه الاستدلال أن كل غير معصوم كذلك بالامكان ولا شئ من الإمام كذلك بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة وهو المطلوب.
السابع عشر: قوله تعالى: (وأما الذين استنكفوا واستكبروا
فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا) وجه
الاستدلال أن نقول كل غير معصوم يمكن أن يكون له هذه الصفات ولا