السادس والتسعون: قوله تعالى: (يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون) تقرير الاستدلال أن نقول علل وجوب الاتباع بأنهم مهتدون وذكر ما يوجب انتفاء التهمة وهو سؤال الأجر لكن الإمام مساو للنبي في وجوب الاتباع فيلزم مساواته في العلة وهو الهداية فإنه لم يعلل وجوب اتباع المرسلين إلا بأنهم مهتدون فيطرد العلة في حق المعلول.
السابع والتسعون: العلة الغائية لوجوب الاتباع حصول الهداية في المعاش والمال واتباع غير المعصوم قد يؤدي إلى ضد الهداية فيما فيه الاتباع وقد لا يؤدي إليها واتباع غير المعصوم يؤدي إليها دائما ما دام الاتباع موجودا ونصب إمام معصوم ممكن والله تعالى قادر على كل مقدور فلا يحسن من الحكيم نصب غير المعصوم والأمر باتباعه طلبا للهداية مع مساواتها ضدها وعدمها في نفس الأمر وعند المكلف مع قدرته على المعصوم.
الثامن والتسعون: قوله تعالى: (قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) وجه الاستدلال إن اطمئنان القلب أمر مطلوب في الأمور الدينية الكلية ولا ريب أن الإمامة من الأمور الدينية الكلية لأن المكلف يقتل ويقتل ويأخذ الأموال ويضرب الحدود ويفعل العبادات ويصحح المعاملات بقوله وبأمره وإشاراته وهذه الأمور كلية ولأن الإمامة نيابة النبوة في كل الأمور فيكون اطمئنان القلب فيها أمرا مهما مطلوبا ولا يحصل إلا بعصمة الإمام فيجب أن يكون الإمام معصوما.
المائة: الإمام مرشد دائما ولا شئ من غير المعصوم بمرشد دائما فلا شئ من غير المعصوم بإمام.
المائة الثامنة
الأول: قوله تعالى: (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون)، والتقوى ركوب طريق الصواب واجتناب ما فيه شبهة أو يتوهم منه لزوم محظور، وبالجملة فالمتقون هم الذين لا يخلون بما يحتمل وجوبه ولا يفعلون إلا ما يعلمون أنه مباح ويجتنبون ما يحتمل تحريمه فعلم أن هذه درجة مطلوبة لله تعالى من الناس كافة في جميع ما أمر به ونهى عنه لأن تخصيص بعض الناس أو بعض الأحكام به ترجيح من غير مرجح ولأنه مخالف لعموم الآية ونصب إمام معصوم في أقواله وأفعاله ونواهيه وأوامره عالم بمجمل الآيات ومتشابهها يقينا وعلومه الهامية من قبل العلوم الفطرية القياس طريق صالح لذلك فيجب اتماما لغرضه إما هو أو ما يقوم مقامه والثاني منتف بالوجدان والإجماع فتعين الأول وهو المطلوب.
الثاني: قوله تعالى: في الآية المتقدمة (يبين آياته) جمع مضاف فيعم لما تقرر في الأصول إن الجمع المضاف للعموم ولأن سياق الآية يدل عليه فإن المراد ببيان الآيات التقوى ولا يتم إلا بعموم البيان لما يحتاج المكلف إليه من الواجب ليأتي به والحرام ليجتنبه والمباح ليكون مخيرا فيه ولا يتم إلا مع العموم، وقوله تعالى للناس جمع محلي بلام الجنس فيعم أيضا والمراد بالبيان ما لا يحتمل غير المعنى بحيث يكون نصا صريحا وكان التقوى اجتناب المشتبه وركوب طريق اليقين ولا يحصل إلا بالبيان المذكور، ولا يمكن لكل الناس
الثالث: قوله تعالى: (واتقوا الله لعلكم تفلحون) التقوى لا تتم إلا بمعرفة الأحكام كما هي في نفس الأمر والعمل بما به يعلم والاخلاص والأول إما أن يحصل بالعقل أو بالنقل والأول عند أهل السنة ليس بطريق صالح لشئ من الأحكام الشرعية وعند العدلية لا يعلم منه كل الأحكام بل القليل منها فلا بد من الثاني إما في الجميع على الرأي الأول أو في الأكثر على الرأي الثاني ولا بد وأن يكون ذلك النقل مما يفيد العلم اليقيني ولا يحصل لكثير من الناس من القرآن والسنة وهو ظاهر يتفق عليه فلا بد من مبين لذلك وللآيات المتشابهة ويكون عنده ظاهرها نصا وكذا السنة ولا يكفي ذلك بل لا بد وأن يتيقن المكلف صحة قوله وفعله وذلك لا يتحقق إلا من المعصوم، والثاني وهو العمل بما يعمل الإمام لطف فيه لأنه المقرب إلى الطاعة والمبعد عن المعصية فيتعين نصب الإمام المعصوم وإلا لزم نقض الغرض فإن الحكيم إذا أراد شيئا فإن لم يفعل ما يتوقف عليه ذلك الشئ إذا كان من فعله خاصة مع قدرته وعلمه فإنه يكون ناقضا لغرضه ومناقضا لإرادته تعالى عن ذلك علوا كبيرا، لا يقال: هذا كله مبني على أن الإمامة لا يقوم غيرها مقامها فيحتاج إلى بيان شاف ولم يبينوه، لأنا نقول:
انحصار الدليل الموصل في العقل والنقل وانتفاء الثاني في أكثر الأحكام مما اتفق عليه الكل وانحصار النقلي في نص بين أو إمام أو إجماع إذ غير ذلك لا يفيد اليقين معلوم ومما اتفق عليه الكل والأول لا يفي بكل الأحكام فتعين الثاني ولا يحصل العلم به إلا إذا كان من معصوم وهو ظاهر.
الرابع: قوله تعالى: (واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) أمر وتهديد على الترك مقدمة إيجاب ما لا يطاق مع العلم بأنه ما لا يطاق قبيح
فنقول: أحد أمور ثلاثة لازم إما الأمر بما لا يطاق أو ثبوت الإمام المعصوم أو ثبوت ما يقوم مقامه لأنه قد ظهر فيما مر إن التقوى لا يحصل إلا مع الإمام المعصوم أو ما يقوم مقامه فلو أمر الله تعالى بالتقوى مع عدم إمام معصوم أو ما يقوم مقامه لزم الأمر بما لا يطاق فلا بد من أحدهما لكن الأول محال الثالث لأنه إما أن يكون عقليا أو نقليا والأول منتف في أكثر الأحكام فتعين الثاني وبعد النبي عليه السلام لا يعلم اليقين إلا من الإمام المعصوم لما تقدم فتعين الثاني وهو نصب الإمام المعصوم.
الخامس: أمر الله تعالى بالتقوى وأمر بالطاعة أولي الأمر وهو الإمام المعصوم فلا يخلو إما أن يحصل التقوى من طاعة الإمام أولا والثاني محال لأنه تعالى إذا أراد منا شيئا وكان هو المقصود منا لأن جميع ما أوجب أو حرم داخل في التقوى ثم أمرنا بارتكاب طريقة ليست مقصودة لذاتها بل لأدائها إلى ذلك المقصود وهو يصلح للأداء كان ذلك نقضا للغرض بل هو اضلال وهو محال فتعين الأول وهو أن التقوى تحصل من متابعة الإمام ولا يمكن إلا إذا كان معصوما وهو ظاهر ولأن التقوى لا بد فيها من العلم اليقيني ولا يحصل من قول غير المعصوم قطعا فتعين أن يكون الإمام معصوما وهو المطلوب.
السادس: قوله تعالى: (فلا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فأعلموا أن الله عزيز حكيم))، اعلم أن الله تعالى مجده قد بين في هذه أمور الأول النهي عن اتباع خطوات الشيطان وهو عام في الأصول والفروع إجماعا الصغائر والكبائر، وبالجملة فهذه تحذير عام لكل ما نهي عنه ترك ما أمر به والثاني أنه تحذير عن الزلل بعد مجئ البينات وهي مأخوذة من البيان وهو ما يفيد العلم لمن نظر فيه وهذا من رحمة الله تعالى لعباده أنه لا يؤاخذ قبل مجئ البينات
السابع: الآية المذكورة في الوجه الأول وتدل على أنه تعالى لم يجعل ولم يشرع ولم يوجب شيئا يضاده مجئ البينات ونصبها ولو كان الإمام غير معصوم لكان الله تعالى قد شرع ما يناقض البينات لأنه تعالى أمر باتباع الإمام في أفعاله وأقواله وتروكه فإن وقع منه الخطأ ولا يعلم بل جوز المكلف عليه الخطأ مع أمرنا باتباعه فهذا إضلال لا تصب بينات.
الثامن: الأدلة النقلية الموجودة في الكتاب والسنة لا تفيد العلم بكل واحد واحد من الأحكام في كل واقعة واقعة لكل شخص شخص إلى انقراض العالم وهذا متفق عليه بين الكل والتقديران الخطاب عام وإن الله عز وجل نصب البينات لكل المكلفين في الأحكام والتقدير أنه لم يحصل الإعلام للأحكام لكل مكلف بل حكم فإما أن يعلم من الإمام أو غيره إذ الأحكام كلها عند الأشاعرة نقلية والأكثر عند المعتزلة وهو ظاهر ولم يوجد من الأوامر والحكام ونصوص الكتاب والسنة إيجاب اتباع غير المعصوم اتباعا عاما بل إيجاب اتباع الإمام وقد تقدم في ذلك أدلة كثيرة فكيف يحصل البينات من غيره ولم يذكره الله تعالى ومنه لا يحصل ويذكره ويأمر باتباعه هذا ضد البينات وهو محال.
التاسع: قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) هذا يدل على أن أمر أولي الأمر من البينات كما أن أمر الرسول من البينات وهو ظاهر وإنما يكون من البينات إذا كان معصوما فإن غير المعصوم لا يفيد قوله العلم فلا يكون من البينات.
العاشر: لا شك أن المفسدة الناشية من جوز خطأ حالة الناس الرعية أمر جزئي يتعلق بنفسه وقد يتعدى إلى بعض الناس وأما المفسدة الحاصلة من خطأ الإمام في الأحكام والأفعال فساد كلي لأنه إنما نصب الإمام لقوانين كلية
الحادي عشر: رأفة الله تعالى ورحمته عامة للعباد لقوله تعالى: (والله رؤوف بالعباد) واتفق المسلمون على عمومه والعقل الصريح والحدس الصحيح يشهدان بذلك وقوله تعالى: (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا) وجه الاستدلال أن نقول الله تعالى من على العالمين برأفته ورحمته ببعث النبيين بالكتاب وعلة البعثة الفاعلية اختلاف الناس في التأويل في الأحكام والغاية هو حصول الحق وإزهاق الباطل والحاكم ليس الكتاب بل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لقوله: (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات) فإذا كان الاختلاف في نفس الكتاب وتأويله كان الحاكم هو الرسول فعلم من ذلك أن نعم الله تعالى وأعظمها إرسال الرسول لينذر ويبلغ إلى الناس ما أوحى الله من الكتاب ثم يحكم بينهم بعد اختلافهم في تأويله وبعد النبي الاختلاف في التأويل أعظم فإن لم يكن من يقوم مقام النبي في كون قوله حجة وفي وجوب اتباعه وفي طريقته وفي عمله وإفادة قوله اليقين لزم حصول العلة الفاعلية والغائية بدون الشئ مع القدرة والداعي وهو الرأفة بالعباد مع عدم المعلول وهو محال فلا بد من شخص بعد النبي يكون حاله ما ذكرنا وهذه الخصال المذكورة لا تحصل إلا بالمعصوم فوجب القول بعصمة الإمام.
الثاني عشر: قوله تعالى: (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم) وجه الاستدلال أن قوله تعالى وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه يدل على أن الاختلاف في التأويل لا التنزيل وقوله: (من بعد ما جاءتهم البينات) ليس المراد حصوله لهم بالفعل بل المراد نصب ما يصلح أن يفيد العلم في التأويل حتى يتحقق مجئ البينات وإن الاختلاف بعد ما يفيد العلم يكون بغيا وهو إما عقلي أو نقلي والأول لا يصلح عند
الثالث عشر: قوله تعالى: ((ومن الناس من يعجبك قوله وفي الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) وجه الاستدلال أنه بين في هذه الآية أشياء:
الأول: إن إصلاح الظاهر ظاهرا يعجب الناس حاله ويكون في نفس الأمر في غاية فساد الباطن.
الثاني: أنه لا يصلح للولاية لقوله تعالى: (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها) فهذا تحذير من الله عن تولية هذا الموصوف بهذه الصفة.
الثالث: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) معناه إنه في غاية صلاح الباطن وأنه لا يصدر منه معصية لأن شراء النفس من الشهوات المهلكة والإرادة المحرمة إنما يتحقق بترك الصغائر والكبائر وفعل سائر الواجبات.
الرابع: إن مثل هذا يصلح للولاية لأن ذكره عقيب النهي عن تولية الأول يدل على صحة تولية هذا.
الخامس: إن ذلك لا يعلم من صلاح الظاهر.
السادس: إن ذلك إنما يعلمه الله ويعلمه غيره بتعليمه إياه إذا تقرر
فنقول: هذه الآية الكريمة المقدسة تدل على بطلان الاختيار وعلى أن الولاية من قبل الله تعالى لأنه تعالى بين أن مانع الولاية وهو الأول قد لا يعلم وأنه لا يجوز للنبي صلى الله عليه وآله أن يوليه إلا بنص يوحى من الله تعالى لأن الله تعالى قد بين أن المانع قد يوجد ولا يعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما يعلمه الله تعالى والشرط لذلك ألا يعلمه إلا الله عز وجل وهو كونه من القسم الثاني وإذا لم يكن للنبي أن يولي بنص من الله عز وجل لم يكن لغيره والذي يوليه الله تعالى لا يمكن أن يكون من القسم الأول ويجب أن يكون من القسم الثاني ويجب أن يعلم المكلفون بأنه ممتنع أن يكون من القسم الأول وأنه من القسم الثاني وذلك إنما يتحقق مع وجوب عصمة الإمام وهو المطلوب.
الرابع عشر: القرآن الكريم مشحون بآي التحذير ووجوب التفكير في أمور الدنيا وهو إصلاح المعاش والآخرة وهو إصلاح أمر الآخرة والمعاد إنما جاء بعدان نصب الله تعالى لكل مخاطب بذلك ما يفيده العلم إذا رجع إليه سواء كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو بعده لقوله تعالى:
((كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) (في الدنيا والآخرة)) وقوله تعالى: (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون)، بمعنى أنه عالم لجميع المكلفين في جميع الأزمنة وهي جميع الأحكام إجماعا لأن ترجيح بعضها دون بعض ترجيح من غير مرجح ولا يختص ذلك بالأصول لأن الأحكام المتعلقة بأمور الدنيا ليست من الأصول وهو إما عقلي أو نقلي والأول لا مجال له في الأحكام عند أهل السنة ولا يفيد أكثر الأحكام عند المعتزلة والإمامية فهو الثاني والكتاب والسنة لا يفيدان اليقين في كل الأحكام لكل المكلفين ولا يفيد ذلك إلا قول المعصوم فتعين وجود معصوم يفيد قوله اليقين ويجب على كافة المكلفين اتباعه فلا يجوز أن يكون الإمام غيره فالإمام معصوم وهو المطلوب.
السادس عشر: قوله تعالى: (واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شئ عليم) وجه الاستدلال أن نقول إن الله أمر بالتقوى أمرا مطلقا غير مشروط ولا يتم إلا بوجود الإمام المعصوم وهو من فعل الله تعالى فتعين نصبه وإلا لزم نقض الغرض وهو محال عليه تعالى وكل المقدمات بينة لا تحتاج إلى برهان إلا المقدمة الثانية وهي قولنا إن التقوى لا يتم إلا بوجود إمام معصوم فإنها مقدمة استدلالية تحتاج إلى البيان فنقول بيانها موقوف على مقدمات، الأولى: حقيقة التقوى وقد ذكر العلماء لها رسوما فقال بعضهم هي الاتيان بالعبادات والاحتراز عن المحذورات واختلف أهل هذا الرسم في أن اجتناب الصغائر هل هو داخل في التقوى أم لا فقال بعضهم يدخل كما تدخل الصغائر في الوعيد وتندرج تحت التحذير وقال بعضهم لا يدخل وإلا لم يستحق هذا الاسم إلا المعصوم والحق الأول لأن الوقاية فرط الصيانة عن المؤذي وقيل كل ذنب مؤذ سواء كان صغيرا أو كبيرا وقيل هي الصيانة عن المؤذي وقيل كل ذنب مؤذ سواء كان صغيرا أو كبيرا وقيل هي الأخذ بالأحوط فيفعل ما يحتمل أن يكون واجبا ويترك ما يحتمل أن يكون حراما وهو مأخوذ مما ورد في الحديث أنه قال صلى الله عليه وآله لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع
الأول: إنها اجتناب الصغائر والكبائر في جميع الأزمان والأحوال ولا يتم إلا بذكر الله تعالى واستحضار أمره ونهيه والالتفات بكل سؤال الحق وهذا مقام شريف.
الثامن عشر: الإمام يجب اتصافه بالتقوى الكلية وذلك يستلزم العصمة والمقدمتان ظاهرتان.
التاسع عشر: ذكر الله تعالى المتقين في معرض المدح والمتقي في اللغة اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى والوقاية فرط الصيانة إذا عرفت ذلك فنقول أما المتقي اتفق الكل على اجتناب الكبائر شرط في صدق هذا الاسم والحق إن اجتناب الصغائر شرط أيضا لأنها تدخل في الوعيد لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس وقال تعالى في النحل: (أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون)، وقوله تعالى: (أفغير الله تتقون)، وفي المؤمن (أنا ربكم فاتقون)، هذا كله إشارة إلى فعل الطاعات وقوله تعالى: (وأتوا البيوت من أبوبها واتقوا الله)، أي فلا تعصوه وهذا يدل على نفي جميع المعاصي الصغائر والكبائر، قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولا شك أن الأكرم هو من فعل الطاعات الواجبات وترك كل المعاصي وهذا يدل على عصمة الإمام لأن أكرم الناس عند الله تعالى بعد الرسول الإمام وهو ظاهر وأكرم الناس هو أتقى الناس للآية وأتقى الناس ليس إلا المعصوم فيجب أن يكون الإمام هو المعصوم.
العشرون: قال تعالى: (شهر رمضان الذين أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينت من الهدى والفرقان) وقال هنا هدى للمتقين وهذا يدل على أن المتقين سبب هداية الناس وهم المعتبرون وباقي الناس لا اعتبار بهم فإما أن يكون الإمام من المتقين أو من غيرهم والثاني باطل لأن الحكيم لا يوجب على من به الاعتبار وبه الهداية اتباع من لا اعتبار به ولا يهتدي إلا بذلك الغير فتعين أن يكون الإمام من أعلى مراتب المتقين وهذا هو المعصوم.
يرجع إليهم ويهتدي بهم فالإمام إما أن يكون من القسم الأول أعني
الأول: كون الشئ هدى ودليلا لا يختلف لشخص دون شخص فكيف جعل القرآن هدى للمتقين فقط وأيضا فالمتقي مهتد والمهتدي لا يهتدي ثانيا.
الثاني: القرآن فيه مجمل ومتشابه وظاهر فكيف جعلتم كونه هدى للمتقين بمعنى كون دلالته يقينية لا يحوم الشك حولها خصوصا على قول من جعل الدلائل اللفظية لا تفيد اليقين.
الثالث: كل ما يتوقف كون القرآن حجة عليه لا يصح الاستدلال به عليه كمعرفة الصانع وصفاته فهذه الآية مخصوصة، والجواب عن الأول من وجهين:
الأول: إنا قد ذكرناه في تقرير هذا الدليل إن هداية المتقين غير هداية غيرهم فهو هدى للناس بمعنى وهدى للمتقين بمعنى والمغايرة بينهما مغايرة الكل للجزء أو العام للخاص ويجوز أن يكون التصديق بالنسبة إلى شخص يقينيا وإلى آخر ظنيا فإن مساواة زوايا المثلث الثلاث لقائمتين عند العالم باوقليدس يقينية وعند غيره غير يقينية.
الثاني: أن نقول كما أن القرآن هدى للمتقين ودلالة لهم على وجود الصانع وعلى دينه وصدق رسوله فهو أيضا دلالة للكافرين إلا أنه تعالى ذكر المؤمنين مدحا ليبين إنهم الذين اهتدوا وانتفعوا به كما قال تعالى: (إنما أنت منذر من يخشاها) وقال تعالى: (إنما تنذر من اتبع الذكر) وقد كان عليه السلام منذرا للكل لأجل إن هؤلاء هم الذين انتفعوا بإنذاره واعلم أن بعض الفضلاء فسر الهدى بالدلالة الموصلة إلى المقصود فهو للمتقين بالفعل
إن ذلك المجمل والمتشابه لا ينفك عن دليل يدل على ما هو المراد على اليقين وهو أما دلالة العقل أو السمع فصار كله هدى وإنما قلنا إنه لا ينفك لأن الله تعالى قصد بخطابنا الافهام وإلا لكان نقضا وهو على الحكيم محال فإما أن يجعل على المراد من المجمل دليلا عقليا أو نقليا أو يلهم تعالى المراد أولا فإن كان الثاني كان مكلفا بالمحال وناقضا للغرض فتعين الأول وهو المطلوب وعدم ظفر بعض العلماء به لا يدل على العدم في نفس الأمر، وعن الثالث أنه يكفي في الهدى كونه هدى في بعض المطالب والقرآن في تعريفه الشرائع وتأكيدها في العقول. وأنا أقول: من تدبر القرآن العظيم حق تدبره وآجال فكره الصحيح في معانيه ونظر بفطنة سليمة وقادرة في تركيبه وجده مشتملا على كل الأدلة العقلية على إثبات الصانع وصفاته لست أقول إنه يستدل به من حيث هو قول الله تعالى على ثبوت الصانع بل مقدمات الأدلة الدالة على ثبوت الصانع وصفاته كلها مذكورة فيه بالفعل وفيه إشارة إلى تركيبها ونظم الأدلة منها فمن هذه الحيثية يصير دليلا لا إنه من باب التقليد وتسليم إنه حجة بل بالاستدلال العقلي بالمقدمات المذكورة فيه كقوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) (وإلى السماء كيف رفعت)) إلى آخر الآية وهذا برهان آني وغير ذلك من الآيات وهو كثير.
الثاني والعشرون: الإيمان وأثره لا يتم إلا بالإمام المعصوم فيجب أن يكون الإمام المعصوم في كل زمان فيحتاج إلى بيان مقدمات، أحدها الإيمان، وثانيها ما أثره، وثالثها توقفه على إمام معصوم، ورابعها أنه إذا كان كذلك وجب نصبه في كل زمان على الله تعالى، المقام الأول اختلف أهل القبلة في مسمى الإيمان في عرف الشرع ويجمعهم فرق أربعة الفرقة
الثاني: زعموا أن الإيمان اسم للطاعات كلها وهو إيمان واحد وجعلوا الفرائض والنوافل كلها من جملة الإيمان ومن ترك شيئا من الفرائض فقد انتقض إيمانه ومن ترك النوافل لم ينتقض إيمانه ومنهم من قال الإيمان اسم للفرائض دون النوافل، الفرقة الثانية الذين قالوا الإيمان بالقلب واللسان معا وهؤلاء قد اختلفوا على مذاهب الأول إن الإيمان إقرار باللسان ومعرفة
أحدهما: إن الإيمان هو عبارة عن معرفة الله تعالى بالقلب حتى أن من عرف الله بقلبه ثم جحد بلسانه ومات قبل أن يقربه به فهو مؤمن كامل الإيمان وهو قول جهم بن صفوان أما معرفة الكتب والرسل واليوم الآخر فقد زعم أنها ليست داخلة في حد الإيمان هكذا نقل بعضهم عنه ونقل عنه الكعبي إن الإيمان معرفة الله مع معرفة كل ما علم بالضرورة كونه من دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وثانيهما: إن الإيمان مجرد التصديق بالقلب وهو قول الحسين بن الفضل البجلي، الفرقة الرابعة الذين قالوا الإيمان هو القرار باللسان فقط وهم فريقان: