التاسع والثلاثون: تكرار الانذار ممن لا يفيد قوله اليقين ويجوز المكلف خطأه وكذبه بحيث يتساوى الثاني والأول في ذلك الاحتمال ولا يزيد العلم به عما كان في الأول لا يدفع حجة المكلف ولا يفيد غير ما كان أولا فلا فائدة فيه وإنما يتحقق دفع الحجة والإنذار بالتكرار لو ثبت امتناع الخطأ فثبت نصب البرهان المفيد للعلم وكمال قوته فتنتفي حجتهم وهو المطلوب لكن الإمام هو قائم مقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث امتنع نبي آخر لأنه عليه السلام خاتم النبيين فيجب عصمة الإمام.
الأربعون: المراد من النبي أو الإمام الدعاء للمكلفين إلى امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه فإما أن يكون المراد صورة الفعل لا غير أو الاعتقاد أو الفعل مع الاعتقاد والنية والاختيار والأول يكفي فيه القهر بالسيف وأما الثاني فلا يمكن بالسيف ولا بالقهر بل بالبرهان والأدلة التي يسكن إليها العاقل ويحصل له العلم بها وهذا على قسمين إما عقلي أو نقلي والأول فعل النبي والإمام وفيه التنبيه والإرشاد إلى المقدمات التي تركب البرهان منها وأما الثاني فلا طريق له إلا قول النبي والإمام إذا تقرر ذلك.
فنقول: التكاليف الشرعية التي من النبي أو الإمام لطف فيها منحصرة في هذه الأقسام وفعل النبي أو الإمام في القسم الأول والقسم الأخير أكثر إذا عرفت ذلك.
فنقول: القسم الأخير لا يحصل برهان فيه إلا مع عصمته المبلغ له وهو النبي أو الإمام لأنه لولا عصمته لكان قوله لا يفيد العلم فلا تسكن نفس المكلف إليه لتجويزه الخطأ عليه فلا يحصل الاعتقاد المطلوب الذي لا يصح الفعل إلا به من هذا الإمام فلا يحصل الغرض منه في هذا القسم والقسم الأول لا يوثق بأنه أمر بالصواب منه إلا بعصمته فلو لم يكن الإمام معصوما لزم نقض الغرض منه.
الثاني والأربعون: السبب للشئ يمتنع أن يكون سببا لضده والإمام مع تمكنه وبسط يده وحضور المكلف عنده وعلمه وامتثال المكلف أوامره سبب لكون فعل المكلف صوابا وقربه من الطاعة وبعده عن المعصية فيمتنع حينئذ أن يكون الإمام مع هذه التقادير سببا في ضده وغير المعصوم يمكن أن يكون سببا في ضده فنقول لا شئ من الإمام سببا في ضد ما ذكرناه بالضرورة وكل غير معصوم يمكن أن يكون سببا في ضده ينتج لا شئ من الإمام بغير معصوم بالضرورة وهو المطلوب.
الثالث والأربعون: دعاء الإمام مفيد لليقين ولا شئ من دعاء غير المعصوم بمفيد لليقين فلا شئ من الإمام بغير معصوم أما الصغرى فلأن دعاء الإمام كدعاء الله تعالى وهو مفيد لليقين فكذا الأول لقوله تعالى:
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فجعل طاعة الرسول وأولي الأمر واحدة كطاعة الله تعالى وكل من كانت طاعته كطاعة النبي وطاعة الله تعالى كان دعاؤه كدعائهما قطعا وأما الكبرى فظاهرة لأن قول غير المعصوم لا يفيد اليقين لتجويز الخطأ مع تجويز النقيض لا يحصل.
الرابع والأربعون: قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) يلزم من ذلك أن كل من لم يتبع النبي صلى الله عليه وآله لا يحب الله ولا يحبه أي لا يكون مطيعا لله ولا يكون عز وجل مثيبا له والاتباع إنما يتحقق بالمتابعة في أقواله وأفعاله كلها إلا ما نص على عدم وجوب الاتباع فيه وهذا إنما يتحقق مع العلم القطعي بكون أفعاله وأقواله
الخامس والأربعون: اتباع الإمام هو اتباع النبي فحكمهما واحد وإنما يتحقق بعصمة الإمام.
السادس والأربعون: الإمام يبطل دعاء إبليس ويمنع عن متابعته بالضرورة ولا شئ من غير المعصوم كذلك بالامكان ينتج لا شئ من الإمام بغير معصوم بالضرورة.
السابع والأربعون: الله تعالى كلف في كل واقعة بحكم خاص والكتاب والسنة لا يمكن استخراج كل الأحكام منهما فأما أن يكلف الله تعالى كل مجتهد بما يؤديه اجتهاده إليه فلا يكون له تعالى في واقعة حكم واحد وهو خلاف التقدير وأما أن يكلف استخراج ذلك الحكم من الكتاب والسنة مع عدم دلالتهما إذ هما متنافيان والوقائع غير متناهية وهو تكليف ما لا يطاق ولا نبي ولا وحي بعد النبي عليه السلام فلا بد من طريق يرجع المكلف إليه وليس إلا الإمام فإن لم يكن معصوما لم يكن للمكلف دليل إلى العلم إلا بذلك إذ قول غير المعصوم قد لا يفيد الظن ولو أفاده فقد لا يقنع المكلف به خصوصا مع قوله تعالى: (واجتنبوا كثيرا من الظن) فبقي أن يكون الإمام الحافظ للشرع يجب أن يكون معصوما.
الثامن والأربعون: إذا كان فعل صفة محل لغرض وغاية يصدر من ذلك المحل عند فعل تلك الصفة فإما أن يعلم الفاعل أن ذلك المحل مع فعل تلك الصفة فيه يصدر منه تلك الغاية أو يصدر منه ضد تلك الغاية أو يتحقق نقيضها أو لا يعلم واحدا منهما والثالث محال على تعالى والثاني بقسميه مناقض للغرض معدود من باب الخطأ لا يصدر من الحكيم فتعين الأول إذا تقرر ذلك.
فنقول: الإمامة صفة من الله تعالى وتحقيقها في محل معين وهو الشخص المعين فعل من لا يجوز عليه الخطأ إما من الله تعالى وهو الحق عندنا
التاسع والأربعون: النبوة أصل للإمامة والإمامة فرعها والإمام قائم مقام النبي عليه الصلاة والسلام في إملاء الدعوى ولطف الإمامة أعم من لطف النبوة لقوله تعالى: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد، ويشترط في الإمام ما يشترط في النبي لأجل جزم المكلف بصحة الدعوى لكن يشترك في النبي العصمة فيشترك في الإمام ذلك.
الخمسون: الإمام هو هاد يجب اتباعه وكل من كان كذلك لا يحتاج إلى هاد فالإمام لا يحتاج إلى هاد أما الصغرى فلما تقدم وأما الكبرى فلقوله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) فإذا ثبت أن الإمام هاد لا يهدى امتنع عليه الخطأ فثبت المطلوب.
الحادي والخمسون: قوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) والهداية في القول والاعتقاد والفعل ولا يتم ذلك إلا بأربعة أشياء، الأول أن يكون عالما بجميع ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام وكل حكم لله تعالى في كل واقعة للمكلفين ولا يكفي الظن لقوله تعالى: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) ولأن الهداية لا تكون إلا بالعلم وتكون كل اعتقاداته برهانية، الثاني: قيامه بجميع الأوامر والنواهي الشرعية بحيث لا يقع الاخلال منه بشئ منهالا عمدا ولا سهوا ولا تأويلا وإلا لم تتحقق الهداية المطلقة، الثالث: أن يكون مصيبا في جميع أقواله وآرائه وأوامره ونواهيه للمكلفين،
الثاني والخمسون: الإمام هاد لا يهديه أحد في زمن وجوب اتباعه وهو زمان إمامته وكل من كان كذلك فهو يعلم الأحكام يقينا ويمتنع منه فعل القبيح والاخلال بالواجب أما الصغرى فأما إنه هاد لقوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) وأما إنه لا يهديه أحد في زمان إمامته فظاهر وإلا لكان اتباع ذلك أولى من اتباعه لقوله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) فقد أنكر على اتباع المهتدي دون الهادي ووبخ عليه وأما الكبرى فأما علمه بالأحكام فلأنه لو جهل شيئا منها لاحتاج إلى هاد فيه ولو ظنه فالظن متفاوت فكان الأقوى أولى بالاتباع والعلم فأما أن لا يحصل لأحد فيلزم عدم بيان الله تعالى حكما تكليفيا وهو محال أو يحصل بغيره فيكون هاديا له فيكون هو واجب الاتباع لكن هذا محال لقوله تعالى أحق أن يتبع وأما امتناع فعله للقبيح وتركه الواجب فظاهر وإلا لوجب على الرعية الانكار عليه وأمره بالمعروف فيكون هاديا له لكنه باطل بالآية.
الثالث والخمسون: قول الإمام وفعله وتركه وتقريره حجة لقوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وعطف المفرد على معمول الفعل يقتضي تساويهما فيه والطاعة والواجبة للرسول هي متابعة قوله وفعله وتركه وتقريره فيجب أن يكون الإمام كذلك ولأن المفهوم من الطاعة الكلية ذلك فإن غيرها طاعة جزئية وقوله وفعله وتقريره مقدم على
الرابع والخمسون: الإمام قوله من كل مراتب الظن وآخر مراتب الظن ما بعده العلم فيكون قول الإمام مفيدا للعلم وقول غير المعصوم لا يفيد العلم.
الخامس والخمسون: كل قول أو فعل أو تقرير أو ترك من الإمام سبيل المؤمنين ومن خالف سبيل المؤمنين استحق الذم بالضرورة ينتج من خالف قول الإمام أو فعله أو تركه أو تقريره استحق الذم بالضرورة أما المقدمة الأولى فلقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فأوجب على المكلفين كافة اتباع الإمام مطلقا وطاعته طاعة كلية والطريق التي أوجب الله تعالى على كل المكلفين اتباعها ولا يجوز مخالفتها هي سبيل المؤمنين بالضرورة، وأما المقدمة الثانية فلقوله تعالى: ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى وهو نص عام إذا تقرر ذلك فنقول الإمام كل من خالفه مستحق للذم قطعا بالضرورة ولا شئ من غير المعصوم كل من خالفه مستحق للذم قطعا بالضرورة لإمكان خطائه وأمره بمعصية فلا يعصى مخالفته وإلا لزم أحد الأمرين إما انقلاب الحرام إلى الوجوب بأمر الإمام أو اجتماع النقيضين واللازم بقسميه باطل فالملزوم مثله أما الملازمة فظاهرة وأما بيان بطلان اللازم أما الأول فبإجماع المسلمين وأما الثاني بالضرورة ينتج لا شئ من الإمام بغير معصوم وهو المطلوب.
السادس والخمسون: قول الإمام مساو للإجماع والإجماع دليل قطعي.
فنقول: الإمام قوله دليلا قطعي ولا شئ من غير المعصوم قوله دليل
السابع والخمسون: أوامر الإمام ونواهيه واختياراته وأفعاله وتروكه وتقريراته هي الصراط المستقيم التي أشار إليها الله جل جلاله في قوله:
(اهدنا الصراط المستقيم) لأنه تعالى جعلها مساوية لطريقة النبي عليه الصلاة والسلام ولأوامر الله تعالى ونواهيه لأنه ساوى بين وجوب اتباع الله تعالى والنبي واتباع الإمام وإخباراته لكن هذه صراط مستقيم قطعا فيكون مساويها كذلك.
الثامن والخمسون: أمر الله تعالى عباده وأرشدهم إلى سؤال الله تعالى أن يهديهم إلى الصراط المستقيم فإما أن يكون هي طريقة الإمام وطريقة الإمام عليه السلام تؤدي إليها أولا هي ولا تؤدي إليها والثالث باطل لأنه يستحيل أن يأمر العباد بأن يسألوه الهداية إلى طريق ثم يأمرهم بسلوك غيرها ولا يؤدي إليها هذا مناقض للغرض فلا يصدر من الحكيم تعالى مجده، لا يقال: هذا يدل على عصمته في التبليغ لا على عصمته في غيره، لأنا نقول:
يلزم أن يأمر الإمام بما لا يفعل في الجملة لكن يلزم أن تكون طريقته غير صراط مستقيم لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) (كبر مقتا عند الله لم تقولوا ما لا تفعلون)، ونحن قررنا إن طريقة الإمام صراط مستقيم.
التاسع والخمسون: قوله تعالى (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) نقول هؤلاء إما أن لا يكون لهم وجود في الخارج أصلا أو يكون وجودهم متحققا والأول محال لاستحالة الأمر بسؤال الهداية إلى طريق المعدوم
الستون: قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) دلت هذه الآية على أن هذه طريقة الهداية والمهتدي هو الذي على هذه الطريقة فالإمام يهدي إليها لأنه هاد لما بينا في قوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) والإمام لا يهديه غيره بعد النبي صلى الله عليه وآله لما بينا في قوله: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي فما لكم كيف تحكمون) فيلزم أن يكون الإمام على هذه الطريقة وإلا لكان له هاد آخر لأن قولا وفعلا وأمرا وإلزاما بحيث لا يخرج عن هذه الطريقة هو المعصوم بالضرورة.
الحادي والستون: وقوله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي فما لكم كيف تحكمون) أمره باتباع لا يهديه غيره وحرم اتباع من يهتدي بغيره دائما ويلزم أن يكون هذا الهادي الذي لا يهديه غيره معصوما بالضرورة وهو غير النبي صلى الله عليه وآله لقوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) فإما أن يكون هذا الهادي الإمام أو غيره فإن كان الأول فهو المطلوب وإن كان الثاني فالإمام إن لم يكن معصوما كان زيادة لاحتياجه إليه لأن ذلك الهادي يجب اتباعه سواء قارنه أمر الإمام أو فعله أو لا والإمام وحده بغير ذلك الهادي لا يتبع لأنه يهتدي بغيره لأن غير المعصوم يهتدي بغيره فيكون الإمام حشوا لا فائدة فيه فنصبه يكون عبثا هذا خلف وإن كان الإمام معصوما فهو المطلوب.
الثاني والستون: الإمام تجب طاعته في جميع أوامره ونواهيه دائما وتقريره وتركه لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) والعطف على معمول الفعل يقتضي المساواة فيه فامتنع أمره بمعصيته وإلا لم يجب اتباعه فيه لأنه حينئذ لا يهدي فيه إلا أن يهدي مع صدق
الثالث والستون: لا شئ من غير المعصوم يجب اتباعه في الجملة وكل إمام يجب اتباعه دائما للآية ينتج من الشكل الثاني لا شئ من غير المعصوم بإمام دائما وينعكس بالعكس المستوى إلى قولنا لا شئ من الإمام بغير معصوم دائما وهو يناقض قولنا بعض الإمام غير معصوم في الجملة لكن الأولى صادقة فتكذب الثانية لأنها نقيضها.
الرابع والستون: قوله تعالى: (اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون) الواو للحال هنا فكل من وجب اتباعه دائما فهذه الصفة فيه دائمة لكن الإمام يجب اتباعه دائما لما تقدم من الأدلة فتكون هذه الصفة فيه دائمة ولا نعني بالمعصوم إلا المهتدي في جميع أقواله وأفعاله وتروكه وتقريراته.
الخامس والستون: إذا ورد أمران أحدهما مطلق والآخر مقيد بصفة واتحد الحكم والموضوع أو كان المقيد أعم حمل المطلق على المقيد لما تقرر في الأصول فتقيد الأمر بطاعة أولي الأمر في قوله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) بهذا الوصف وهو كونه مهتديا فإن وجب ثبوت هذا الوصف له فالمطلوب وإلا علم بقوله دار وباجتهاد المكلف لزمه إفحامه لأنه إذا أمر المكلف بأمر قال له المكلف لا أتبعك حتى أعلم أنك مهتد ولا أعلم حتى اجتهد وأني لا اجتهد أو اجتهدت وأدى اجتهادي إلى خلاف هذا الحكم فينقطع الإمام وكذا إن لم يعلم فلا بد من وجوب هذا الوصف له
السادس والستون: يثبت من هذه الآية ومن قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) مقدمتان هما الإمام يجب اتباعه دائما وكل من وجب اتباعه فهو مهتد ما دام يجب اتباعه ينتج الإمام مهتد دائما وهو المطلوب.
السابع والستون: لو لم يكن الإمام معصوما لزم اجتماع النقيضين والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة إنه قد ثبت في المقدمتين المذكورتين في الدليل السابق كل إمام مهتد دائما فلو كان الإمام غير معصوم لصدق بعض الإمام ليس بمجتهد بالفعل والدائمة والمطلقة العامتان تتناقضان فيلزم اجتماع النقيضين هذا خلف، لا يقال: المحال لزم من المجموع من حيث هو مجموع لا من مقدمة واحدة هي أن الإمام ليس بمعصوم في الجملة واستلزام المجموع للمحال لا يلزم منه استلزام أحد أجزائه لذلك فإن كل واحد من النقيضين قد يكون ممكنا والمجموع من حيث هو مجموع محالا، لأنا نقول:
إذا كان أحد النقيضين صادقا بالفعل كان صدق الآخر مستلزما لاجتماع النقيضين فيكون مستلزما للمحال فيكون محالا والتقدير صدق المقدمة الأولى وهي قولنا الإمام مهتد دائما.
الثامن والستون: علة وجوب الاتباع كون المتبوع مهتديا وهو ظاهر وفي هذه كالتصريح به لأن الوصف لو لم يكن علة في الحكم لم يحسن ذكره ولو حسن ذكره وجب الحكم بكونه علة ولكن هنا كذلك فإن قوله تعالى:
(اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون) لو لم يكن علة لم يحسن ذكره لكنه حسن فيكون علة فإن انتفى عن أولي الأمر وجب انتفاء وجوب اتباعهم لأن عدم المعلول يجب عند عدم العلة فتكون هذه الآية ناسخة أو مخصصة لقوله تعالى وأولي الأمر منكم لاقتضاء هذه الآية العموم لمساواة طاعته طاعة الرسول صلى الله عليه وآله لكن ذلك باطل بالاجماع.
التاسع والستون: لو لم يكن هذا الوصف دائما لزم الاجمال في وجوب
السبعون: كون الإمام غير معصوم يستلزم نقض الغرض من نصب الإمام وهو على الحكيم محال لأنه إنما يجب اتباعه حال كونه مهتديا وغير المعصوم تنتفي فيه هذه الصفة في الجملة ولأنه لا يجب اتباعه في المعصية فإن علمت بقوله دار فكان اتباعه مستلزما للدور المحال فيكون محالا أو بقول المجتهد يستلزم إفحامه ولأنه يلزم أيضا وقوع الهرج والمرج والاختلاف والقصد من نصب الإمام رفع ذلك.
الحادي والسبعون: عصمة الإمام أمر ممكن خال عن وجوه المفاسد مشتمل على مصلحة تامة للمكلفين وإصلاحهم والله عز وجل قادر على كل الممكنات فنقول يجب عصمة الإمام لوجود القدرة الداعي وانتفاء الصارف وهو ظاهر.
الثاني والسبعون: خطأ الإمام تقديرا يستلزم إمكان اجتماع النقيضين لكن اجتماع النقيضين محال فيكون هذا التقدير مستلزما للمحال وكل تقدير مستلزم للمحال فهو محال فيكون هذا التقدير محالا أما استلزامه لإمكان اجتماع النقيضين فلأن وجوب اتباع الإمام عام في الأشخاص والأزمان والأوامر والنواهي فإذا أخطأ في أمره ونهيه فإن وجب اتباعه وجبت العصمة وهو يستلزم اجتماع النقيضين وإن لم يجب اتباعه في الجملة مع وجوب اتباعه لزم اجتماع النقيضين ولا معه يستلزم نقض الغرض من نصبه وهو يستلزم اجتماع النقيضين أيضا وأما الثاني فظاهر.
الثالث والسبعون: قوله تعالى: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان)، تقدير الاستدلال به يتوقف على مقدمتين - المقدمة الأولى - إن تابع التابع في ما هو تابع فيه تابع للمتبوع في ذلك الشئ - المقدمة الثانية - إن هذه الآية عامة في الأشخاص وفي الأزمان وفي المنهي عنه وذلك بالاجماع والمراد بخطوات الشيطان المعاصي وترك الواجبات إذا تقرر هذا فنقول: غير
الأول: قد ثبت في علم الكلام أن الدائمة تستلزم الضرورية لأنه قد ثبت بالبرهان في علم الكلام أن الاتفاقي لا يكون دائما ولا أكثريا.
الثاني: إنا لا نعني بوجوب العصمة الوجوب الذاتي بل الوجوب بالغير والعصمة من الأغراض الممكنة وقد ثبت في علم الكلام أن الممكن لا يوجد إلا بعد وجود سببه وإلا لزم الترجيح من غير مرجح وهو محال بالضرورة وإذا دل الدليل على عصمة الإمام دائما ثبت وجود سببها دائما وهو يستلزم وجود المسبب دائما وهو المطلوب.
الرابع والسبعون: وقوع الخطأ من الإمام مستلزم للمحال وكل ما استلزم المحال فهو محال فوقوع الخطأ من الإمام محال أما الصغرى فلأنه قد ثبت بهذه الآية الكريمة النهي عن اتباع من يقع منه الخطأ فيه وثبت بقوله تعالى: (وأولي الأمر منكم) وجوب اتباع الإمام دائما فلو وقع منه الخطأ في الجملة لزم اجتماع النقيضين لأنه يلزم كون الشئ الواحد في الوقت الواحد عن المكلف الواحد مأمورا به ومنهيا عنه فدل هذا الدليل على وجوب العصمة بأي وجوب كان وهو مطلوبنا.
الخامس والسبعون: قوله تعالى: (يس) (والقرآن الحكيم) (إنك لمن المرسلين) (على صرط مستقيم) (تنزيل العزيز الرحيم))، تقرير
السادس والسبعون: دلت هذه الآية المقدسة على أن النبي صلى الله عليه وآله على صراط مستقيم فوجوب طاعته لكونه على هذا الطريق يوجب اتباعه لذلك وطريق غير المعصوم ينافي ذلك في وقت ما وقوله تعالى:
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، يدل على وجوب اتباع النبي دائما واتباع الإمام دائما فيكون قد كلف المكلف بالمتنافيين في حالة واحدة في وقت واحد وهذا محال لما بين في علم الكلام من استحالة ذلك وهو ظاهر.
السابع والسبعون: تساوي الحكمين في اللطفية بحيث يسد كل منهما مسد الآخر ويقوم مقامه يدل على تساوي وجه اللطف المقتضي لوجوب الحكم فيهما وأنه في كل واحد منهما مثله في الآخر وقد بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الشريفة وجه لطف نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله بقوله إنك على صراط مستقيم وأشار إلى ذلك بقوله تعالى: (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون)، والإمامة قائمة مقام النبوة في اللطفية فيجب أن تساويها في وجه اللطف ونبه عليه تعالى بقوله إنما أنت منذر ولكل قوم هاد، فيكون الإمام على صراط مستقيم دائما كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فنقول: الإمام على صراط مستقيم دائما وهذا معنى العصمة.
(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، ولا شك أن الاحتياج إلى الهداية دائم بخلاف الانذار وهي أولى لوجه اللطيفة وقد بين أن وجه لطف النبوة هي العصمة فيكون أولى بالإمام.
التاسع والسبعون: أحد الأمور الأربعة لازم وهي إما وجوب مخالفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وقت ما أو وجوب مخالفة الإمام في وقت ما أو التكليف بما لا يطاق أو عصمة الإمام والثلاثة الأول باطلة فتعين الرابع وهو المطلوب بيان الملازمة إن طريقة البني صلى الله عليه وآله صواب دائما فلو كان الإمام غير معصوم لكان على خطأ في وقت ما لكن يجب اتباع كل واحد منهما دائما لقوله تعالى: (وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فساوي بينهما في وجوب الطاعة ففي ذلك الخطأ أما أن يجب اتباع النبي فيجب مخالفة الإمام في وقت ما وهو أحد الأمور الثلاثة ويجب اتباع الإمام فيجب مخالفة النبي في وقت ما وهو أحد الأمور الثلاثة أو يجب اتباعهما معا فيلزم تكليف ما لا يطاق وهو الأمر الثالث أو يكون الإمام على صراط مستقيم وهو الأمر الرابع إذا لا يغني بالعصمة إلا ذلك وأما بيان استحالة الثلاثة الأول فظاهر.
الثمانون: قوله تعالى: (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) تقرير الاستدلال به أن نقول وقوع الخطأ من الإمام يستلزم أمورا ثلاثة إما إفحامه أوامر الله تعالى للمكلف بالاستعاذة منه بالاستعاذة به من شئ وأمره بذلك الشئ وباتباع ما أمر المكلف فيما استعاذ به منه أو التسلسل واللازم بأقسامه باطل فالملزوم مثله أما الملازمة فلأن الله تعالى أمر باتباع الإمام فأما أن يكون هذا الأمر عاما في أقواله وأفعاله أو لا فإن كان الثاني فيكون مأمورا باتباع الإمام فيما علم صوابه والعلم هاهنا بالاجتهاد أو بقول إمام أو بقول إمام آخر فإن كان بالاجتهاد فإذا قال له المكلف إن اجتهادي ما أداني إلى اتباعك في هذا الحكم فلا يجب علي اتباعك وإنما لك أن تأمرني بما يجب علي فينقطع الإمام فيلزم إفحامه وإن كان بقول الإمام لزم الدور وهو إفحام
الحادي والثمانون: الأمر باتباع الخطأ والتواعد بالعقاب على تركه من القادر الصادق أشر من استمالة المكلف بمخيلات باطلة إلى فعل الخطأ لكن أمر الله تعالى بالاستعاذة به تعالى من الثاني فمن الأول أولى فيكون أمر بالاستعاذة من نفسه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فاستحال وقوع الخطأ من الإمام وهو المطلوب.
الثاني والثمانون: المستعاذ به تعالى منه شر وما أمر الله تعالى به خير خال من وجوه المفاسد لأنه شرط التكليف فلا يكون شرا بوجه أصلا فيكون خيرا من كل وجه فلو وقع من الإمام الخطأ والمكلف مأمور باتباعه دائما لما تقدم لاجتمع الضدان في شئ واحد وهو كونه خيرا من كل وجه وشرا إما من كل وجه أو من وجه في حالة واحدة وهو محال.
الثالث والثمانون: العقل السليم والذهن المستقيم يحيلان بديهة أن يأمر الله تعالى المكلف بالاستعاذة به تعالى من شئ وهو قادر على ايعاذه منه ثم يأمره به أمرا جزما ويحلل على القيم بالشرايع حربه ومقاتلته على ترك فعله.
الرابع والثمانون: الخطأ في الأحكام كفعل المعصية وترك الواجب والحمل عليه والدعاء إليه داخل في أمر الله تعالى بالاستعاذة به منه دائما في جميع الأقوال والأفعال والتروك لكن قد وجب اتباع الإمام دائما فلو وقع الخطأ من الإمام لزم اجتماع الأمر والنهي في الشئ الواحد في وقت واحد وهذا محال.
السادس والثمانون: قوله تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) والاستعاذة به توكل عليه وإنما يستعاذ به تعالى مما يخاف منه فقد أمر الله تعالى بالاستعاذة به تعالى مما يخاف منه فقد أمر الله تعالى بالاستعاذة ووعدنا أنه تعالى يكفي من ذلك فلو وقع من الإمام الخطأ وأمرنا باتباعه دائما لكان الله تعالى مخلفا لوعده تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
السابع والثمانون: للطف الله تعالى مراتب إحديها التوفيق وهو بخلق القدرة والآلات وثانيها الهداية بإيضاح البرهان ونصب الأدلة وثالثها الإفاضة والحمل على الأفعال الحميدة والأخلاق المرضية وفائدة الاستعاذة به تعالى ووعده بالإجابة وإنما يكون في إحدى هذه المراتب والأمر باتباع من وقع منه الخطأ وعموم الأمر في الأوقات والأفعال ينافي هذه المراتب كلها فأحد الأمرين لازم إما عدم وجوب طاعة الإمام في الجملة أو عدم الإجابة في الاستعاذة به تعالى في الجملة وكلاهما محال لصدق نقيضهما وهو وجوب اتباع الإمام دائما وحصول الإجابة في الاستعاذة به تعالى مما استعاذ منه دائما لأنه تعالى قادر على كل مقدور عالم بكل معلوم والفعل خال من المفاسد وإلا لما أمر الله تعالى بطلبه منه فيوجد القدرة والداعي وينتفي الصارف فيجب الفعل به دائما.
الثامن والثمانون: للإمام صفات إحداها أنه هاد لقوله تعالى إنما أنت منذر ولكل قوم هاد، وثانيها أنه مفترض الطاعة وثالثها أنه ولي الناس كافة فلقوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، ولا داعي للمكلف إلى فعل مقتضي للقوة الشهوية والغضبية من المعاصي مع غلبة الشهوية ووجود القدرة أعظم من فعل الإمام المتصف بهذه الصفات بها مع بقائه على الإمامة فإنه إذا رأى من هو بهذه المنزلة عند الله تعالى يفعل ذلك وهو باق على منزلته
التاسع والثمانون: هنا مراتب خلق القدرة والآلات والتكليف وثانيتها حصول العلوم بالأفعال ووجهها مثل الوجوب أو الندب أو التحريم وثالثها الحمل عليها والمعاقبة على الفعل أو الترك في الآخرة وفي الدنيا بحيث لا يلزم الإخبار ولا الالجاء الاستجبار إلى الالجاء فالإمام ليس المرتبة الأولى لأنه من فعل الله تعالى فالمراد إنما هو حصول المرتبتين الأخيرتين بالنسبة إلى من فقد شيئا مما يتعلق بهما في كل وقت يمكن أن يحصل منه ذلك لبعض المكلفين الذي يمكن أن يفعل أو يترك أحدها ولا يمكن تحصيل ذلك إلا من المعصوم ولأنه لو جاز منه ترك شئ منها أو فقد شئ منها لوجب جعل إمام له وإلا لخلا بعض المكلفين عن شرط التكليف وهو محال.
التسعون: قوله تعالى: (هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) تقرير الاستدلال به يتوقف على مقدمات.
إحديها: إنه تعالى أراد بالرسول محمدا صلى الله عليه وآله تزكية كل واحد واحد وهو ظاهر.
وثانيتها: أن المراد به التزكية المطلقة.
وثالثتها: أن المراد في الإمام ذلك لقوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) إذا تقرر ذلك فنقول: الإمام مزاكي لغيره فلا بد وأن يكون قد حصل له التزكية المطلقة لقوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) أنكر الله سبحانه وتعالى اجتماع الأمر بالشئ مع عدم فعله واشتراكهما في وجه الوجوب والتزكية المطلقة هي العصمة.
الحادي والتسعون: إن هذه الآية تدل على أنه عليه السلام مكمل لقوتي العمل والعلم فلا بد وأن يكون كاملا فيهما الكمال الذي يمكن حصوله
الثاني والتسعون: النبي صلى الله عليه وآله عام الدعوة للإمام ولغيره فلا يخلو أما أن يكون قد كملت هذه الصفات الأربع التي جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتكميلها فيه أولا والثاني محال لأنه أما محال فلا يكون مكلفا بالبعض لاستحالة التكليف بالمحال وأما ممكن فيجب حصوله لأن النبي فاعل شديد الحرص والإمام قابل وهو ظاهر والأول هو المطلوب وهو يستلزم العصمة.
الثالث والتسعون: قد علم بهذه الآية الكريمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما بعث لتكميله هذه الصفات الأربع وأوجب الله تعالى طاعته والتأسي به ليحصل للمطيع له عليه السلام في كل أوامره ونواهيه المتأسي به كمال هذه الصفات فكل من أوجب طاعته كوجوب طاعة النبي ويكون أولى بالتصرف في الأمة كالنبي فلا يكون بد أن يكون المطيع له في أوامره ونواهيه المتأسي به يحصل له هذه الغاية كما حصل من اتباع النبي وطاعته لأن مساواة وجوب طاعة الأمرين يستلزم اتحاد غايتهما وتساوي الأمرين في الأداء إلى الغاية فلا بد أن يحصل كمال هذه الصفات في الإمام قطعا وهو معنى العصمة.
الرابع والتسعون: قوله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) جعل الهادي هو الذي يهدي ولا يهدى فكل من لم يكمل هذه الصفات فيه وهي التزكية المطلقة والعلم بالكتاب والعلم بالحكمة فهو يهدي والإمام هو الهادي لقوله تعالى:
(ولكل قوم هاد) فتكون هذه الصفات كاملة في الإمام وهي العصمة.
الخامس والتسعون: قوله تعالى: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم
ولاهم يحزنون) فنقول التابع للإمام دائما هو تابع للهدى دائما لأن الله تعالى
أمر بطاعته أمرا كليا عاما فهو كالمشرع أمره عام في الأوقات والمكلفين فلم لم