الحادية عشر: المحاربة والجهاد بأمره ودعاءه.
الثانية عشر: إنه مقيم للحدود.
الثالثة عشر: إنه داع إلى الطاعات مقرب إليها.
الرابعة عشر: مبعد عن المعاصي إذا تقرر ذلك.
فنقول: هذه الأشياء مفتقرة إلى العصمة.
أما الأول: فلأن وحدته توجب عدم من يقربه إلى الطاعة ويبعده عن المعصية فلا يحتاج. فتنتفي علة الحاجة فيه وهي عدم العصمة فيه.
وأما الثاني: فلأنه لو لم يكن الخطأ مأمونا لم يؤمن أن يؤمن أن يولي من لا تحسن ولايته وفي ولايته سبب لهلاك الدين وفساد المسلمين.
وأما الثالث: فلأنه إذا لم يعزل أمن ارتكابه الخطأ، وإذا عزل هو جاز أن يعول الأصلح في الولاية.
وأما الرابع: فحاجته إلى العصمة ظاهرة وإلا لزم أحد أربعة أمور.
وأما إفحامه أو إمكان وجوب المعصية في نفس الأمر، أو تكليف ما لا يطاق، أو التناقض لأنه إن وجب طاعته فيما يعلم صوابه لزم إفحامه لأن قوله غير حجة إذن ودعوى المكلف بعدم الظفر بالدليل لا يمكن ردها إن وجب مطلقا لزم إمكان وجوب المعصية لجواز أمره بها وإن كان في بعض الأحكام غير معين لزم تكليف ما لا يطاق وإن لم تجب طاعته في شئ ناقض وجوب طاعته.
وأما الخامس: فلأنه لو كان الخطأ عليه جايزا لم يكن كلامه وفعله دليلا.
وأما السادس: فلأنه فلو جاز عليه الخطأ لم يحصل اعتقاد الصواب في أفعاله وأقواله والجزم بعدم خطأه عدم اجتماع الجزم مع إمكان النقيض. لا يقال: ينتقض بالعاديات لأنا نقول ثبوت العادة غير معلوم هاهنا فيستحيل الجزم.
وأما الثامن: فلأن مخالفة غير المعصوم بمجرد مخالفته في شئ كان لا يمكن الجزم بإيجابها للمحاربة والقتل لجواز كون الحق في طرف المخالف فيلزم أن يكون قابل الحق أو فاعلة يمكن أن يجب محاربته بمجرد ذلك وهو محال بالضرورة.
وأما التاسع: فلأن تعظيم النبي صلى الله عليه وآله واجب في كل حال وغير المعصوم يمكن صدور ما يوجب الحد والعقوبة منه، فإن لم يجب مقابلته بالعقوبة كان إغراء بالقبيح، وإن وجبت عقوبته فإن بقي وجوب التعظيم اجتمع النقيضان وإن لم يجب التعظيم ناقض الحكم بوجوب تعظيمه دائما.
وأما العاشر: فلأن غير المعصوم لا يحصل الجزم بحفظه للشرع، فلا يحصل الوثوق بقوله فتنتفي فائدته.
وأما الحادي عشر: فإن الإنسان لا يقتل نفسه ويقتل غيره إلا بقول من يعرف يقينا صوابه، وأنه ينزل منزلة النبي صلى الله عليه وآله ولا يتحقق ذلك إلا بالمعصوم.
وأما الثاني عشر: فلأن مقيم الحدود لا بد وأن يستحيل عليه الميل والحيف والمراقبة في الحد، ويستحيل عليه سبب الحد، وإلا لكان غيره مقيما أيضا، فلا ينحصر المقيم فيه.
وأما الثالث عشر والرابع عشر: فلأن المقرب إلى الطاعات لا بد أن يكون أقرب من غيره دائما إليها، والمبعد عن المعاصي لا بد أن يكون دائما بعيدا عنها وهذا هو العصمة.
الخامس والثمانون: وجوب عصمة النبي صلى الله عليه وآله مع عدم وجوب عصمة الإمام مما لا يجتمعان، والأول ثابت فينتفي الثاني، أما
السادس والثمانون: كلما وجب عصمة النبي صلى الله عليه وآله وجب عصمة الإمام والمقدم حق فالتالي مثله أما حقية المقدم فلقوله تعالى: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) فلو لم يكن الرسول معصوما لكان للمكلف حجة لأن قول الرسول حينئذ ليس بدليل لاحتماله النقيض، ومع انتفاء الدليل وإن ثبت الإمامة تتحقق الحجة وأما الملازمة فلأن مع عدم إمام معصوم يبقى للمكلف حجة إذا المكلف الذي لم يبصر الرسول والمجمل موجود في القرآن والسنة والمتشابه والاضمار وما يحتاج إلى التفسير وعدم المقرب حينئذ وقول المعصوم ليس بدليل، والمجمل والمتشابه ليسا بدليل فلو لم يكن الإمام معصوما لثبت الحجة المنفية.
السابع والثمانون: كلما كان الإمام أفضل من رعيته وجب أن يكون معصوما لكن المقدم حق فالتالي مثله أما الملازمة، فلأن الإمام لو عصى في حال ما فأما في تلك الحالة يعصي كل واحد واحد من الناس فتجتمع الأمة على الخطأ وهو محال لما تحقق في أدلة الاجماع، وأما أن لا يعصي واحد ما ففي تلك الحالة غير المعاصي أفضل من المعاصي فغير الإمام أفضل فيخرج عن الإمامة، فلا تكون إمامته مستقرة وهذا هو الفساد الموقع للهرج والمرج ويلزم تكليف ما لا يطاق، وأما أن يكون إماما مع وجوب كون الإمام أفضل دائما مع كونه ليس بأفضل في هذه الحال، وهو تناقض، وأما حقية المقدم فلاستحالة تقديم المفضول على الفاضل واستحالة تقديم المساوي لامتناع الترجيح من غير مرجح والعلم بها ضروري.
الثامن والثمانون: الإمام هو الحامل لكل من يعلمه من المكلفين
التاسع والثمانون: يستحيل إمكان تحقق الشئ مع فرض وجود ضده وتحقق نقيضه وإلا اجتمع النقيضان، فالإمامة ضد للخطأ والنسيان، وأقوى الأشياء معاندة له فيستحيل اجتماعهما في محل واحد وفي وقت واحد إنما قلنا بالمعاندة لأن الإمامة هي المبعدة من الخطأ والمعاصي والمقتضي للمبعد عن الشئ، ولعدمه مضاد له ومعاند له فقد ظهر أن تحقق الإمامة في محل لموجب امتناع الخطأ عليه، وهذا هو العصمة.
التسعون: المحوج إلى الإمام ليس امتناع الخطأ بل هو المغني عنه في التقريب والتبعيد ولا وجوب الخطأ وإلا لزم تكليف ما لا يطاق، فبقي أن يكون هو إمكان الخطأ ليحصل به عدمه، فالإمام هو المخرج للخطأ من حد الامكان إلى الامتناع ولا شئ أقوى في المعاندة في الوجود من علة الامتناع فمع تحقق الإمامة يستحيل الخطأ وهو المطلوب.
الحادي والتسعون: نسبة الوجود إلى الخطأ مع الإمامة، أما الوجوب وهو محال لأنه مع عدمها الامكان، ويستحيل أن تكون مقربة إليه، فكيف تكون علة فيه، وإما الامكان أيضا فوجودها كعدمها، فيكون إيجابها عبثا، وإما ترجيح العدم لكن رجحان غير النهي عن الوجوب محال وإلا لجاز فرض وجود المرجوع مع علة الرجحان في وقت وعدمه في آخر، فترجيح أحد الوقتين بالوجود والآخر بالعدم، إما أن يكون محتاجا إلى مرجح أولا، والثاني محال وإلا لجاز الترجيح بلا مرجح، والأول يستلزم عدم كون ما فرض مرجحا تاما هذا خلف، وإما الامتناع وهو المطلوب.
الثاني والتسعون: معلول الإمامة إما ترجيح عدم الخطأ أو امتناع الخطأ وأيا ما كان يلزم المطلوب إما على التقدير الأول فلأن أحد طرفي الممكن مع
الثالث والتسعون:
كل عرض يتوقف على استعداد مسبوق باستعداد المحل له والاستعداد التام هو الذي يوجد عقيبه بلا فصل المستعد له، فالإمامة هي المبعدة عن الخطأ، والمبعد عن الشئ مناف له لأنه موجب لبطلان الاستعداد المتوقف عليه ذلك الشئ، فالإمامة منافية للخطأ وتحقق أحد المتنافيين يستلزم امتناع الآخر، فالإمامة موجبة لامتناع الخطأ، وهو مطلوبنا.
الرابع والتسعون: كل شئ إذا نسب إلى آخر فإما أن يكون مثله أولا والثاني إما أن يكون منافيا له يستحيل اجتماعه معه أولا، وهذه قسمة حاصرة مترددة بين النفي والاثبات، فالإمامة إذا نسبت إلى الخطأ فإما أن يكونا من الأول وهو محال وإلا لما بطل استعداده ولم يكن انتفاء مطلق الخطأ والماهية المطلقة من حيث هي غاية في وجودها وهو ظاهر لأن أحد المثلين لا يكون عدم الماهية المطلقة من حيث هي غاية في وجودها لاستحالة عدمها معه إذ هو مثل فوجوده يستلزم وجود الماهية المطلقة، فكيف يطلب منه العدم، وإما أن يكون من الثالث وهو محال، وإلا لم يكن معها أبعد لأن كلما يمكن اجتماعه مع الشئ لا يكون منافيا له يجامع علة وجوده فلا يكون معه أبعد ولتساوي نسبة الوجود والعدم أو رجحان الوجود قطعا فتعين أن يكون من الثاني وتحقق أحد المتنافين يستلزم امتناع الآخر وإلا لأمكن اجتماع النقيضين وهو محال.
الخامس والتسعون: الإمام هاد دائما والعاصي ليس بهاد في الجملة فالإمام ليس بعاص، أما الصغرى فلأنه المراد من الإمام إذ ليس المراد منه الهداية في وقت دون آخر، ولا في حكم آخر، ولا لبعض دون بعض، وأما الكبرى فلأن العاصي ضال ما دام عاصيا، والضال ليس بهاد ما دام ضالا.
السابع والتسعون: العلة الغائية في الإمامة إنما هو ارتفاع الخطأ والعلة الغائية علة بماهيتها معلولة بوجودها، فدل على أن ارتفاع الخطأ معلول الإمامة وقد تحققت الإمامة فيتحقق ارتفاع الخطأ ما دامت متحققة في محلها وهو الإمام فيلزم العصمة.
الثامن والتسعون: كل شئ إذا نسب إلى غيره، فأما أن يكون واجبا معه أو ممتنعا معه أو ممكنا معه، فإذا نسب الخطأ إلى الإمامة، فمع فرض تحققها أما أن يجب وجد الخطأ معها فتكون مفسدة، لأنها بدونها جايز، فإذا كان معها واجبا كانت مفسدة هذا خلف وإن كان معها ممكنا تساوى وجودها وعدمها فانتفت فائدتها وهو محال قطعا وإن كان معها ممتنعا ثبت المطلوب.
التاسع والتسعون: المكلف لامع الإمامة له نسبة إلى الطاعات وارتفاع المعاصي وهو جواز الفعل والترك فمع الإمامة إما أن يصير المكلف أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية مع تمكن الإمام منه وعلمه به أولا، والثاني محال وإلا لكان وجوده كعدمه، فتعين الأول فكل مكلف يتمكن الإمام من تقريبه إلى الطاعة وتبعيده عن المعصية ويعلم به يجب له ذلك فيمتنع عنه المرجوع، والإمام قادر على نفسه وإلا لم يكن مكلفا، فيجب له ذلك فيمتنع منه نقيضه، بحيث لا يعد مقهورا ولا مجبرا وهذا هو العصمة.
المائة: امتناع الخطأ والإمامة مع تمكن الإمام من المكلف وقدرته على منعه من المعاصي وحمله على الطاعات وعلمه به وبطاعة المكلف له إما أن يكون بينهما لزوم ما أو لا، والثاني محال وإلا يمكن مع ذلك أن لا تقع الطاعة وتقع المعصية فتنتفي فائدة الإمامة لأن فائدة الإمام مع طاعته المكلف له وتمكنه وتمكينه وقدرته على حمله على الطاعة ومنعه عن المعصية يتحقق الطاعة وتبعد عن المعصية، فبقي أن يكون بينهما لزوم، فأما أن يكون
المائة الخامسة
الأول: الإمامة مع تمكن الإمام من حملة المكلف على الطاعة وإبعاده عن المعصية وعلمه به سبب لفعل المكلف الطاعة، وامتناعه عن المعصية اتفاقا، فأما أن يكون من الأسباب الاتفاقية وهو محال لأن الاتفاقي لا يدوم، وهذا السبب يدوم تأثيره، ومن الأسباب الذاتية الدائمة وهو المطلوب.
الثاني: كل إمام يجب إطاعته بالضرورة ما دام إماما إذ لو لم يجب طاعته لكان الله تعالى ناقضا لغرضه، والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة إن الله تعالى إذا نصب إماما وأوجب عليه الدعاء للأمة إلى فعل الطاعات، ثم لم يوجب عليهم طاعته، بل قال إن شئتم فاقتدوا به وأطيعوه، وإن شئتم فلا انتفت فائدة وانتقض الغرض ضرورة، وأما بطلان التالي فظاهر فلو كان إمام غير معصوم لصدق الإمام لا تجب طاعته بالامكان حين هو إمام، لأن الإمام إذا لم يكن معصوما يمكن أن يدعو إلى معصيته فإن وجب وجبت المعصية حال كونها معصية هذا خلف وإن لم تجب ثبت المطلوب، ولو صدقت هذه المقدمة مع صدق الأولى لاجتمع النقيضان إذا الحينية الممكنة تناقض المشروطية العامة، لكن الأولى صادقة لما بينا فالثانية كاذبة فملزومها وهو كون الإمام غير معصوم كاذب.
الثالث: هنا مقدمات:
الثانية: كلما كان طاعة الإمام في جميع الأقوال والأفعال التي يأمر بها وينهي قد أوجبه الله تعالى على المكلف يكون المأمور به من جهة الإمام واجبا في نفس الأمر.
الثالثة: كلما هو معصية لا يجب بوساطة أمر الإمام لو فرض والعياذ بالله تعالى ومحال أن يوجبه الله تعالى وإلا لزم التكليف بالضدين.
الرابعة: الإمام هو الموقف على الأحكام والشرع بعد النبي صلى الله عليه وآله ومنه يستفاد أحكام الشريعة.
الخامسة: التكليف بالمحال محال وقد بين ذلك في علم الكلام.
السادسة: طاعة الإمام واجبة دائما في جميع أوامره ونواهيه، لأنه إما أن تجب دائما في جميع الأوامر والنواهي، أو في بعض الأوقات، أو في بعض الأوامر والنواهي دون بعض أو لا تجب في شئ، والكل محال سوى الأول، وأما الثاني والثالث: فلأن ذلك البعض إما أن يكون معه أو لا، والثاني يستلزم التكليف بالمحال، وقد قررنا استحالته منه، والأول إما أن يكون معينا باسمه كما يقال في الفعل الفلاني أو في الوقت الفلاني، غير ذلك كما يقال ما يظنه المكلف صوابا في وقت يظنه على الحال المستقيم وهو باطل لوجهين:
أحدهما: أنه يستلزم إفحامه إذ المكلف يقول له إني لا يجب علي اتباعك إلا فيما حصل في ظني بأنك مصيب فيه أو أعلم وأقل مراتبه الظن في وقت أعلمك أو أظنك في الحال المستقيم وإن لم يحصل في هذا الظن فينقطع الإمام، إذ حصول الظن والعلم من الوجدانيات التي لا يمكن إقامة
وثانيهما: إنه المعرف للأحكام فإذا لم يكن قوله حجة كان للمكلف أن يقول إني لا أعرف هذا الحكم وإصابتك إلا بقولك، وقولك بمجرده ليس حجة عندي فينقطع الإمام أيضا، فلا فائدة في نصبه البتة.
والرابع: محال قطعا وإلا لكان وجوده كعدمه فتعين الأول وهو وجوب طاعته دائما في كل الأوامر والنواهي مطلقا إذا تقرر ذلك.
فنقول: كلما أوجبه الإمام على المكلف أوجبه الله تعالى عليه من المقدمة الثانية وكلما أوجبه الله تعالى على المكلف فهو واجب عليه في نفس الأمر بالضرورة من الأولى ينتج كلما أوجبه الإمام على المكلف فهو واجب عليه في نفس الأمر بالضرورة، فالإمام إما أن يجوز عليه الخطأ والعصيان أو لا، والأول يستلزم جواز أمره بالمعصية، فإن لم يجب ناقض السادسة، وإن وجبت في نفس الأمر ناقض الثالثة، ولزوم التكليف بمحال، وإن لم يجب أمكن صدق قولنا بعض ما يأمر به الإمام غير واجب في نفس الأمر، وهو نقيض النتيجة الضرورية وهو محال فقد ظهر أن جواز الخطأ على الإمام ملزوم للمحال، فيكون محال، فتعين الثاني وهو امتناع الخطأ والعصيان عليه، وهو المطلوب.
اعترض بعض الفضلاء على هذا الدليل بأنا لا نسلم أن إمكان صدق قولنا بعض ما يأمر به الإمام بالفعل غير واجب في نفس الأمر غير ثابت وصدق الضرورية لا ينافي في إمكان صدقه، لأن إمكان صدق قولنا بعض ما يأمر به الإمام غير واجب في نفس الأمر إمكان صدق القضية، والذي ينافي أصل القضية هو قولنا بعض ما يأمر به الإمام بالفعل غير واجب في نفس الأمر بالامكان، ولا يلزم من صدق الأولى صدق الثانية لأن إمكان صدق القضية لا يتوقف على صدق الموضوع بالفعل بل جاز أن يكون المحمول والموضوع بالقوة بخلاف الثانية.
أجاب عنه أفضل المحققين خواجة نصير الدين محمد الطوسي قدس الله
واعترض أيضا بأن هذا يدل عصمته في التبليغ والأوامر والنواهي لا على عصمته مطلقا، ومطلوبكم الثاني لا الأول، والثاني غير لازم من الأول، لأن الأول أعم، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من أهل السنة في الأنبياء.
والجواب عنه من وجهين:
الأول: إنه لم يقل أحد بذلك في صورة الإمام بل الناس بين قائلين، منهم من قال بعدم عصمته مطلقا، ومنهم من قال بعصمته مطلقا، فالفرق قول ثالث باطل مخالف الاجماع.
الثاني: إن المقتضى للفعل هو القدرة والشهوة وربما جلبت الإرادة والمانع ليس إلا الخوف من الله تعالى والنهي والتحذير وتحريم الفعل ونسبته إلى الكل واحدة فإن اقتضى المنع اقتضى في الجميع وإن لم يوجب المنع كان الكل ممكنا ولم يوجب شيئا لتساوي علة الحاجة إليه ووجه عليته ومعلوليتها.
الخامس: لو كان الإمام غير معصوم لكان النبي غير معصوم لأنه لو كان النبي معصوما على تقدير عدم عصمة الإمام لكان عصمة النبي ثابتة على هذا التقدير وإذا كان كذلك فلا يخلو أما أن تكون عصمة النبي لازمة لعدم عصمة الإمام أو لا تكون لازمة، وكلاهما باطل، وأما الأول فلأنه لو ثبت الملازمة بين عدم عصمة الإمام وعصمة النبي لثبتت الملازمة بين عدم عصمة النبي وعصمة الإمام، وكان كلما كان النبي غير معصوم كان الإمام معصوما لأن انتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم لكن التلازم محال، لأن عصمة الإمام مع عدم عصمة النبي مما لا يجتمعان لأن النبي أولى بالعصمة من الإمام لعدم القائل به، فعلى تقرير عدم عصمة النبي ينتفي عصمة الإمام قطعا لأنه تابع له وخليفته، وأما الثاني فلأنه إنما قلنا على تقدير عدم عصمة الإمام، ولا نعني بالملازمة إلا هذا القدر، وفيه نظر ولأنه قد ثبت في الكلام وجوب عصمة النبي على كل تقدير دائما، فكل ما ثبت عدم عصمة الإمام ثبت عصمة النبي دائما، ولأن على تقدير عدم عصمة الإمام، لو لم يكن النبي معصوما لم يكن للمكلف طريق إلى العلم البتة، ولأن النائب إذا لم يكن معصوما والأصل معصوم بخبر بنظره أما مع عدمه فلا يمكن التحرز من الخطأ مطلقا أصلا هذا خلف، لا يقال انتفاء عدم عصمة النبي على تقدير عدم عصمة الإمام المانع وهو أن النبي هو المخبر عن الله تعالى الذي لا يمكن أن يعمله إلا النبي، فلو لم يكن معصوما لم يحصل الوثوق بخلاف الإمام المخبر
السادس: هنا مقدمات:
الأولى: الاجماع حجة لقوله عليه السلام لا تجتمع أمتي على الضلالة ولأدلة الاجماع.
الثانية: كلما أوجب الله تعالى الأمة الاجتماع عليه وقبوله وحرم النزاع فيه فإنه يكون حقا.
الثالثة:
أوجب الله تعالى على الأمة كافة امتثال أوامر الإمام كلها ونواهيه وصحة أقواله وأفعاله، لأن طاعته لا تختص بالبعض على ما تقدم مرارا، فيكون جميع أفعاله وأقواله حقة صحيحة ليس شئ منها بخطأ وهذا هو العصمة.
السابع: كلما كان نزاع الإمام حراما بالضرورة ومع وجوب إنكار كل منكر كان الإمام معصوما، والمقدم حق فالتالي مثله، أما الملازمة فلأنه لو لم يكن الإمام معصوما لأمكن أن يأتي بالمنكر، فأما أن يجب إنكاره أولا، والثاني يناقض وجوب إنكار كل منكر، والأول يستلزم وجوب نزاعه وهو نقيض القضية الأولى.
الثامن: كل إمام نافع لكل مكلف في القوة العملية بالضرورة، فلو كان الإمام غير معصوم لصدق بعض الإمام يمكن أن لا يكون نافعا لأنه يمكن أن يدعو المكلف إلى المعصية أو لا يدعوه إلى الطاعة وإلى ترك المعصية، فلا يكون نافعا لكن الثانية نقيض الأولى، فصدق الأولى يستلزم كذب الثانية،
التاسع: لا شئ من الإمام بضار بالضرورة وكل غير معصوم ضار بالامكان العام ينتج لا شئ من الإمام بغير معصوم بالضرورة، أما الصغرى فلأن الإمام إنما وجب لنفع المكلف ودفع ضرره، فمحال أن يكون ضارا، وأما الكبرى فلأن غير المعصوم يمكن أن يحمل على المعاصي، وأما الانتاج فلما بين في المنطق أنه إذا كانت إحدى المقدمتين ضرورية في الشكل الثاني تكون النتيجة ضرورية لثبوت الضرورة لأحديهما بالضرورة ونفيها عن الأخرى بالضرورة، فيكون القياس في الحقيقة من ضروريتين.
العاشر: أوامر الإمام ونواهيه وأقواله وأفعاله سبيل المؤمنين لوجوب اتباعه على المؤمنين كافة وسبيل المؤمنين حق فكلما يصدر منهم حق فيمتنع منه الخطأ وهذا هو العصمة.
الحادي عشر: لا ينعقد الاجماع مع مخالفة الإمام لأنه كبير الأمة وسيدهم وقوله وحده حجة لأنه يجب على الأمة كافة اتباعه ولا نعني بالحجة إلا هذا فقوله وفعله بمنزلة قول كل الأمة، وفعل كل الأمة، فهو بمنزلة كل الأمة، وكل الأمة معصومة فيلزم أن يكون الإمام معصوما.
الثاني عشر: الإمام إما أن يكون واجب الخطأ أو جائز الخطأ، أو ممتنع الخطأ، والقسمان الأولان باطلان، فتعين الثالث، أما بطلان الأول فلأنه يكون حينئذ أسوء حالا من الأمة، إذ الأمة يجوز عليهم الخطأ.
وأما الثاني فلأنه يكون مساويا للأمة في علة الحاجة إلى الإمام، فتعين إمام لهم دونه ترجيح بلا مرجح وتعيينه إماما لهم دونهم ترجيح بلا مرجح أيضا.
الثالث عشر: الإمامة مع عدم العصمة لا يجتمعان في محل واحد، والأول ثابت، فينتفي الثاني، أما المنافاة فلأن اجتماعهما في محل واحد يستلزم التسلسل أو الدور أو التناقض أو إخلال الله تعالى بالواجب أو الترجيح بلا مرجح، والكل باطل أما الملازمة، فلأنا قد بينا أن الإمامة
الرابع عشر: عدم عصمة الإمام مع عدم كونه تعالى ناقضا للغرض مما لا يجتمعان، والثاني ثابت فينتفي الأول بيان التنافي إن فائدة الإمام ارتفاع الخطأ والأمن منه ووثوق المكلف، فإذا لم يكن معصوما لم يثق المكلف به فلم يحصل له داع إلى قبول قوله، فإذا أوجب الله تعالى طاعة إمام لا يحصل منه الغرض كان ناقضا لغرضه، وإن كان معصوما ثبت عدم العصمة، وأما ثبوت الثاني فظاهر.
الخامس عشر: كلما لم يكن الله تعالى ناقضا للغرض كان الإمام معصوما والمقدم حق فالتالي مثله بيان الملازمة إن كل مانعة جمع تستلزم متصلة من عين أي كان ونقيض الآخر.
السادس عشر: كلما لم يكن الإمام معصوما كان الله تعالى ناقضا للغرض والتالي، باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أنه كلما لم يكن الإمام
السابع عشر: كلما كان الإمام غير معصوم كان المكلف أبعد عن طاعته وأقرب إلى معصيته، وكلما كان كذلك كان تكليف المكلف بالعكس تكليفا بالمحال ينتج كلما كان الإمام غير المعصوم كان تكليف المكلف بطاعته والبعد عن معصيته محالا وذلك محال، أما الصغرى فلأن المكلف حينئذ يعتقد مساواته للمجتهد للرعية فيكون تكليفه طاعته من دون العكس ترجيحا من غير مرجح والترجيح من غير مرجح محال فيعتقد أن تكليفه طاعته محال، وذلك يستلزم البعد عن طاعته والقرب إلى معصيته، وأما الكبرى فلأن تكليف نقيض اللازم مع وجود الملزوم تكليف بالمحال إذ هو محال لامتناع الاجتماع، وأما استحالة النتيجة فلأن نصب الإمام مع عدم التكليف بقرب المكلف عن طاعته والبعد عن معصيته مانعة الجمع لأن المكلف يعتقد مساواته له، وقوله مساو لقوله، فترجيح بلا مرجح، وذلك يستلزم بعده عن طاعته فلو كلف الله تعالى المكلف بذلك كان تكليفا له بالجمع بين جزئي مانعة الجمع وهو محال وإن لم يكلفه كان نصبه ينفي الإمام ونصبه.
الثامن عشر: دائما إما أن يكون الإمام غير معصوم أو يكون المكلف أقرب إلى طاعته وأبعد عن معصيته عبثا.
التاسع عشر: دائما إما أن يكون الإمام معصوما أو لا يوجب الله تعالى على المكلف كونه أقرب إلى طاعته وأبعد عن معصيته مانعة خلو لأن كل متصلة تستلزم مانعة خلو من نقيض المقدم وعين التالي والثاني منتف بالضرورة فيكون الأول ثابتا.
العشرون: كلما كان الإمام غير المعصوم كان نصبه عبثا، لكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة إن المكلف يعتقد طاعته الترجيح بلا
الحادي والعشرون: دائما أما أن يكون الإمام غير معصوم أو لا يكون نصبه عبثا مانعة الجمع لأن كل متصلة تستلزم مانعة جمع من عين المقدم ونقيض التالي لكن الثاني ثابت بالضرورة فينتفي الأول.
الثاني والعشرون: دائما أما أن يكون الإمام معصوما أو يكون نصبه عبثا مانعة خلو لأن كل متصلة تستلزم مانعة خلومن نقيض المقدم وعين التالي، لكن الثاني منتف بالضرورة، فيكون الأول ثابتا.
الثالث والعشرون: كلما كان الإمام غير معصوم ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح لكن التالي باطل فالمقدم مثل بيان الملازمة أنه يجب طاعته مع مساواته للمكلف ولا يجب عليه طاعة المكلف مع تساويهما، وهذا هو الترجيح بلا مرجح وأما بطلان التالي فظاهر.
الرابع والعشرون: كلما كان الإمام غير معصوم، فدائما أما أن تجب طاعته دائما أو لا تجب طاعته دائما، أو تجب في وقت دون وقت، وكلما وجبت طاعته دائما أمكن وجوب المعصية أو اجتماع النقيضين وكلما لم تجب طاعته دائما كان نصبه عبثا واجتمع النقيضان أيضا، وكلما وجبت في وقت دون آخر فإما في وقت إصابته أو في وقت خطأه، والتالي يستلزم التناقض، والأول يلزم إفحامه، ينتج كلما كان الإمام غير معصوم، فدائما إما أن يمكن وجوب المعصية أو يكون نصبه عبثا أو يلزم إفحامه أو اجتماع النقيضين، والتالي بأقسامه باطل، فالمقدم مثله بيان الصغرى أن الأمر لا يخلو من هذه الثلاثة على التقدير وصدق هذه القضية التي هي مانعة الخلو بل هي حقيقته على تقدير المقدم صدقا لازما ظاهرا، وأما الكبرى فلأن وجوب طاعته دائما مع إمكان أمره بالمعصية أمكن أن يجب المعصية إن وجبت بأمره وإلا لم يجب طاعته دائما أو وجب على المكلف الفعل ولم يجب عليه وكلاهما يستلزم اجتماع النقيضين وعدم وجوب طاعته دائما يستلزم العبث في
الخامس والعشرون: كلما كان كل من اجتماع النقيضين والعبث بنصب الإمام وإفحامه وإمكان وجوب المعصية محالا فدائما أما أن يكون نصب الإمام غير واجب أو يكون معصوما مانعة خلو لكن المقدم حق فالتالي الذي هو المنفصلة المانعة الخلو حقة صادقة، أما الملازمة فلأنا بينا إن عدم عصمة الإمام ملزوم لهذه الأشياء فإذا كانت مستحيلة يلزم امتناع الإمام غير المعصوم وامتناع المركب مستلزم لامتناع أحد أجزائه، فإما أن يكون هذا الامتناع وجوب الإمام أو الامتناع عدم عصمته وأما حقية المقدم فقد بيناها فيما مضى وهي بينة أيضا بنفسها يحتاج بعض من عرض له شبهة إلى تنبيه ما، وإذا ثبتت هذه القضية المانعة الخلو، فنقول: لكن عدم وجوب نصب الإمام باطل لما بينا من وجوب نصبه، فيجب أن يكون معصوما.
السادس والعشرون: أما أن يكون الإمام معصوما دائما أوليس بمعصوم دائما أو يكون معصوما في وقت دون آخر وكلما كان ليس بمعصوم دائما أمكن أن يكون الله سبحانه ناقضا لغرضه، وكلما كان معصوما في وقت دون وقت أمكن أن يكون الله ناقضا للغرض ولزم إفحامه أو تكليف ما لا يطاق، ينتج إما أن الإمام معصوما دائما أو يكون الله تعالى ناقضا للغرض مانعة خلو وينتج أيضا إما أن يكون الإمام معصوما أو يمكن أن يكون الله تعالى ناقضا للغرض أو يفحم الإمام أو يكون تكليف ما لا يطاق واقعا، أما الصغرى فصدقها مانعة الخلو ظاهر، وأما صدق الملازمة الأولى فلأنه يمكن أن لا يقرب إلى الطاعة في وقت من الأوقات فيكون الله تعالى ناصبا لإمام لا يحصل منه الغرض البتة، فهذا هو نقض الغرض وأما صدق الملازمة الثانية فلأنه يمكن أن لا يقرب إلى الطاعة في وقت عدم عصمته مع أن الغرض أن يكون
كل واحد من الجزئين الآخرين محال فتعين عصمة الإمام.
السابع والعشرون: إما أن يكون الإمام معصوما بالضرورة أو يكون ليس بمعصوم بالضرورة أو يكون يمكن أن يكون معصوما ويمكن أن لا يكون معصوما وكلما كان ليس بمعصوم بالضرورة أمكن أن يكون الإمام إماما مع وجود النص عليه أو الاجماع وكلما كان يمكن أن يكون معصوما ويمكن أن لا يكون أمكن أن لا يكون إماما دائما، ينتج دائما إما أن يكون الإمام معصوما بالضرورة أو يمكن أن لا يكون إماما دائما مانعة خلو، أما الصغرى فصدقها مانعة خلو ظاهر، وأما صدق الشرطيتين فلأن غير المعصوم يمكن أن لا يدعو إلى الطاعة دائما، فإذا لم يكن مقربا أصلا لم يكن إمام، وإلا لكانت إمامته عبثا، وإذا تحققت النتيجة فنقول الثاني محال لأنه لو أمكن أن لا يكون إماما دائما مع وجود النص عليه أو الاجماع لم يكن للمكلف طريق إلى معرفة إمامته أصلا والباتة فيكون تكليف المكلف بهذه المعرفة محالا فلا يجب فتعين الأول وهو أن يكون الإمام معصوما بالضرورة.
الثامن والعشرون: دائما أما أن يجب نصب الإمام أو يمكن أن لا يكون
إماما دائما بعد أن صار إماما أو خرق الاجماع مانعة خلو، والقسمان الآخران
باطلان، فتعين الأول إما منع الخلو فلأن الإمام أما أن تجب عصمته دائما أو
لا تجب عصمته دائما أو في وقت دون آخر، والأول هو أحد أجزاء
المنفصلة والثاني يستلزم الثاني إذ عدم عصمته دائما يستلزم جواز أن لا يقرب
إلى الطاعة في شئ من الأوقات، فلا يكون إماما وإلا لأمكن أن يكون الله