الثاني و الخمسون: الممكن ما لم يجب لم يوجد، وقد تقرر ذلك في علم الكلام والعلة إنما تقتضي الوجوب لا الترجيح المجرد، والإمام مع الشرائط المذكورة علة في التقريب والتبعيد فيجب معه، ولو لم يكن الإمام معصوما لم يجب التقريب معه وكلما لم يجب معه لم يقتض الترجيح أيضا لاستحالة اقتضاء العلة الترجيح غير المانع من النقيض فلا يكون مرجحا للتقريب أيضا، بل يبقى معه التقريب على صرافة الامكان فلا يكون علة وتنتفي فائدته لاستحالة وجوده حينئذ فيجب كونه معصوما.
الثالث والخمسون: الإمام مع هذه الشرائط هو العلة في التقريب والتبعيد فلو لم يجب بذلك، فإما أن يجب بشئ آخر معه أو لا علة له غير ذلك، والأول محال لانعقاد الاجماع عليه، فإن الاجماع واقع على أن المقرب هو الإمام، والثاني وهو أن لا علة له غير ذلك محال وإلا لكان أما واجبا أو ممتنعا أو كون الممكن مع علته ممكنا على صرافة إمكانه هذا خلف فالكل محال.
الرابع والخمسون: إذا اجتمع الشرائط الراجعة إلى الله تعالى، والإمام لا ينبغي أن يبقى للمكلف عذر البتة ولو لم يكن الإمام معصوما لبقي له عذر من وجهين.
أحدهما: إنه جاز أن يخل الإمام ببعض الأحكام، فيكون المكلف قد أبرئ عذره.
ثانيهما: أنه يقول إنه لا وثوق لي بما تقول ولا أعرف صحته إلا من قولك لا يفيد العلم والوثوق فينقطع الإمام فيلزم الافحام.
الخامس والخمسون: الإمام أما أن يكون شرطا في التكليف أو لا والثاني يلزم عدم وجوبه، ولكن قد تحقق إنه واجب، وإنه شرط والأول إما أن يكون اشتراطه من حيث إنه مع اجتماع الشرائط يمكن أن يقرب أو يجب
السادس والخمسون: اللطف الذي هو مقرب إلى الطاعة ومبعد عن المعصية الذي هو الشرط في التكليف إنما هو عصمة الإمام فهي واجبة بالقصد الأول وإنما قلنا إنها هي الشرط لأن الإمام إنما هو لطف من حيث قوته العملية للعلم والعمل فلا يصلح أن يكون نسبته إليه الامكان وإلا لساوى المكلفين فيه، فكان الامكان الحاصل لهم أولى باللطفية منه لأن إمكان الفعل من الفاعل أولى في الاشتراط وفي التقريب من الامكان من غير الفاعل هذا خلف.
السابع والخمسون: شرائط الفعل الوجودية لا بد أن تكون حاصلة للفاعل بالفعل وإلا لم يحصل الفعل ولا يصدر التقريب من الإمام إلا من قوته العملية العلم والعمل فلو لم تكن حاصلة فيه بالفعل لم يكن مقربا بالفعل عند الشرائط الراجعة إلى المكلف، لكنه مقرب هذا خلف.
الثامن والخمسون: الإمام لا يصلح أن يكون علة لشئ، والإمام علة في فعل المكلف المكلف به ولا ندعي إنه علة تامة بل مع الشرائط العائدة إلى المكلف وليس علة بوجوده وانسانيته بل بقوته العملية بالعلم والعمل، فلا بد أن يجب له وهو العصمة.
التاسع والخمسون: مجموع ما يتوقف عليه الفعل المكلف به من المكلف هو التكليف والعلم به ونصب الإمام والدلالة عليه وانقياد المكلف له وأمره ونهيه فعند اجتماع الشرائط العائدة إلى المكلف يبقى موقوفا على ما يرجع إلى الإمام وأحواله والتكليف لو كان الفعل ممكنا باقيا على حد الامكان، أما لعدم فعل من الله تعالى يتوقف عليه فعل التكليف، ويكون
الستون: الأسباب إما اتفاقية أو أكثرية أو ذاتية وعلة الإمام لقيام المكلفين بالتكاليف ودفع الهرج ورفع المفاسد مع انقياد المكلفين له، أما الأول فيحتاج معه ومع الشرائط العائدة إلى المكلف إلى لطف آخر لأن الأسباب الاتفاقية لا تصلح للترجيح ولا يجوز أن يكون من الثاني وإلا لم يكن تمام اللطف، فتعين أن يكون من الثالث وإنما يكون منه إذا كان معصوما وإلا لكان معه ممكنا، فلا يكون سببا ذاتيا.
الحادي والستون: المبدأ الذي يخرج ما بالقوة إلى الفعل لا يجوز أن يكون بالقوة، بل يجب أن يكون بالفعل والشئ حال وجوده نقيضه ممتنع بالنظر إلى تحقق نقيضه، والإمام هو المخرج للمكلفين في القوة العملية علما وعملا من القوة إلى الفعل في كل حال يفرض بالنسبة إلى كل واجب وترك معصيته يفرض احتياجهم فيها إليه، وذلك حكم عام لكل واحد بوساطة قوته العملية علما وعملا.
فنقول: يجب أن يكون ذلك في الإمام بالفعل لا بالقوة ولا يكون نقيضه متحققا في كل حال بالنسبة إلى كل واجب في وقته وترك كل معصية، وهذا هو وجوب العصمة.
الثاني والستون: الناس أما ممتنع الخطأ أو جائزه، والأول إذا لم يكن من جهة الإمام لم يحتج إلى إمام، والثاني هو المحتاج إلى الإمام، فأما ليبقى على
الثالث والستون: الإمامة أما منافية لفعل الواجب من حيث هو واجب وترك المعصية من حيث هو ترك المعصية أو ملزومة له أو لا منافية ولا ملزومة والأول محال قطعا بالضرورة وتثبت علته لأنها علة فيها والعلة في الشئ لا تنافيه. والثاني: باطل وإلا لم يشترط في الإمامة العدالة ولم تكن علته في واجب أو ترك معصيته من حيث هو واجب ما أو ترك معصية ما، فلا تكون مقربة، ونحن قد فرضناها كذلك هذا خلف فتعين الثاني وهو المطلوب، ولأنه إذا تحققت الإمامة وكانت لذاتها مستلزمة لفعل الواجب من حيث هو فعل الواجب وترك المعاصي من حيث هو ترك المعاصي فيجب أن تكون ملزومة للكل لامتناع تخلف المعلول عن علته فيمتنع اجتماعهما مع ترك واجب ما أو فعل معصية ما لأن كل ملزوم يمتنع اجتماعه مع نقيض لازمه فوجبت العصمة وهو المطلوب.
الرابع والستون: الإمامة مقربة مبعدة لأنه معني اللطف ولأنه لولاه لما وجبت وقد تحققت في الإمام فتكون مرجحة للطاعات مبعدة عن المعاصي، والفعل حال التساوي ممتنع، فحال المرجوحية أولى، فيمتنع تحقق ترك واجب أو فعل محرم معها منه وهو المطلوب.
الخامس والستون: كلما لو كان المكلف مطيعا للإمام كانت الإمامة مقربة إلى الطاعة مبعدة عن المعصية كان الإمام معصوما وإلا على تقدير عدم اختيار الإمام للطاعة واختياره المعصية وقهره عليها لم تكن الإمامة مقربة، فإذا لم يكن الإمام معصوما كان هذا التقدير، ممكن الاجتماع مع مقدم الشرطية التي هي مقدم فلا يكون التالي لازما على هذا التقدير، فلا تكون الشرطية كلية وإلا لم يكن الإمام واجبا إذ ليس المراد منه التقريب في حال أو إلى بعض الواجبات أو لبعض المكلفين بل في كل الأحوال بالنسبة إلى كل الواجبات لكل المكلفين ولأنه تمام الشرط بعد طاعة المكلف وإلا لوجب لطف
السادس والستون: دائما أما كلما كان المكلف مطيعا في جميع أقواله وأفعاله كانت الإمامة مقربة إلى الطاعة مبعدة عن المعصية أو لا يكون الإمام معصوما مانعة الجمع لما تقرر في المنطق من استلزام الملزومية الكلية مانعة الجمع من عين المقدم ونقيض التالي لكن الأول صادق بالضرورة فتعين كذب التالي، فيجب أن يكون الإمام معصوما.
السابع والستون: دائما أما ليس كلما كان المكلف مطيعا فالإمامة مقربة مبعدة، أو يكون الإمام معصوما مانعة خلو لأن كل متصلة تستلزم منفصلا مانعة الخلو من نقيض المقدم وعين التالي، لكن الأول كاذب قطعا فتعين صدق الثاني وهو المطلوب.
الثامن والستون: إنما أوجبنا الإمامة لدفع المفسدة التي يمكن حصولها من خطأ المكلف مع قبوله وتحصيل المصلحة المناسبة من فعله للمكلف به إذ لو لم يجزم الخطأ على شئ من المكلفين لم تجب الإمامة، فلو لم يكن الإمام معصوما مع وجود الإمامة لم تحصل العلة الدافعة لتلك المفسدة، والمحصلة للمصلحة مع زيادة مفسدة منها وهو جواز خطأه وحمله المكلف على الخطأ فالمفسدة الممكنة الحصول من إهمالها ممكنة مع زيادة مفسدة.
التاسع والستون: شرط الوجوب خلوه من وجوه المفاسد فلو لم يكن الإمام معصوما لجاز أن يقرب المكلف إلى المعصية، وهذا وجه مفسدة ولا مانع له إذ الإمامة لا تنافي فعل المعاصي وإلا لزم بها ولا ريب أن إيجاب طاعة من يجوز منه دعاء المكلف إلى المعصية وتقريبه منها مع عدم مانع له إذ ليس إلا الإمامة وهي زيادة في التمكين وتمكينه من مفسدة لا يمكن منه إيجابها.
السبعون: وجوب الإمامة مع عدم عصمة الإمام مما لا يجتمعان دائما والأول ثابت فينتفي الثاني، أما التنافي فلأن تجويز الخطأ من مكلف أما أن يستلزم وجوب الإمامة أو لا، والأول يستلزم نفي الوجوب والثاني يستلزم العصمة أو التسلسل لأنه مع عدم العصمة لا يجوز الخطأ من الإمام على
الحادي والسبعون: دائما أن يكون معصوم موجودا أو يجب نصب الإمام مانعة خلو إذا التكليف وتجويز الخطأ موجب للطف المقرب إلى الطاعة المبعد عن المعصية، لأنا بينا ذلك في وجوب الإمامة وإنما يجب على هذا التقدير وبين نقيض العلة وعين المعلول مانعة الخلو وإلا لانفك المعلول عن العلة، هذا خلف.
فنقول: كلما لم يكن معصوم متحققا وجب نصب إمام وإذا لم يكن الإمام معصوما وجب نصب إمام، فإما الأول فيستلزم تحصيل الحاصل أو غيره، فيلزم التسلسل.
الثاني والسبعون: متى وجدت القدرة والداعي وانتفى الصارف والإرادة وجب وجود الفعل والإمام ليس المراد منه هو إيجاد القدرة للمكلف بل لإيجاد الداعي والإرادة فإذا كان المعلول هو الداعي والإرادة وجب أن يكون الإمام معصوما لأن العلة هو الداعي للإمام إلى الطاعة مع انتفاء الصارف فيكون واجبا لأن المحتاج هو جائز الخطأ حيث إن داعيه ممكن فتكون علته وهي داعي الإمام فيكون واجبا، وإذا كان واجبا ثبت المطلوب، ولأنه ساوى المكلف في جواز الخطأ لم يكن داعي أحدهما بالعلية أولى لتساويهما في الامكان ولنفرة المكلف عن طاعة مساوية في جواز الخطأ ولأن الخطأ ينفر المكلف عن اتباع فاعله ولسقوط محله من القلوب.
الثالث والسبعون: لو كان الإمام غير معصوم لما حسنت الإمامة، والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة إن وجود القدرة والتكليف مع عدم
الرابع والسبعون: الممكن من حيث هو محتاج إلى علة مغايرة له من حيث الامكان، ولا يمكن أن يكون ذلك هو الممتنع، فتعين أن يكون هو الواجب وداعي المكلفين هو المحتاج إلى الإمام في إيجاده والمؤثر فيه داعي الإمام إلى الطاعات وصارفه عن المعاصي، فيكون واجبا وعند وجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل.
الخامس والسبعون: الإمامة لها عمود وأعوان حتى تتم فائدتها وقبول المكلف لأوامره ونواهيه.
أما العمود: فهو الحجة الدالة على صدقة وحجية قوله وفعله وإيجاب طاعته على المكلف وذلك أما الأدلة التفصيلية على خصوصيات المسائل وهو محال، وإلا لم يجب ذلك إلا على المجتهد فتحريم التقليد في الإمامة، فتعين أن يكون على كل أقواله وأفعاله من حيث هي أقواله وأفعاله، ولو لم يكن معصوما لم تتحقق الدالة على ذلك لقيام الاحتمال في كل فعل، وأما الأعوان فهو أقوال وأفعال، أما من غيره كنص النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام قبله أو الله تعالى عليه، ولو لم يكن معصوما لما حسن النص عليه لوجوب طاعته في جميع أقواله وأفعاله أو من أحواله كتنسكه ومواظبته على العبادة ولو لم يكن معصوما لكانت أفعاله مفردة في حال ما، لكن الإمام يجب أن يكون دائما مقربا موجبا للداعي أو إطاعة المكلف، أو من نفس قوله بأن يتحقق المكلف بأن قصده بألفاظه معناها لا يقصد الاضلال ولا الاغراء
السادس والسبعون: الإمام يحتاج إليه لتكميل المكلف في قوته العملية بحيث يحصل له العمل بجميع الأوامر الواجبة والانتهاء عن المعاصي كلها، هذا هو غاية الإمام، فلو لم يكن الإمام كاملا في هذه القوة لما حصل منه التكميل فيكون معصوما.
السابع والسبعون: لو لم يكن عدم العصمة علة الحاجة إلى الإمام لم يكن لعدمها تأثير في عدم الحاجة لأن علة العدم عدم العلة فجاز مع عدمها ثبوت الحاجة لوجود المقتضي لها لأن كل شيئين إذا نظر إليهما من حيث هما هما من غير اعتبار ثالث لو لم يكن أحدهما علة جاز انفكاك أحدهما عن الآخر، ولو جاز أن يحتاج المكلفون إلى الإمام مع عصمتهم لجاز أن يحتاج الأنبياء إلى الأئمة والدعاة مع ثبوت عصمتهم والعلم بأنهم لا يفعلون شيئا من القبائح وهو معلوم الفساد بالضرورة فتعين أن تكون علة الحاجة ارتفاع العصمة وجواز فعل القبيح، فلا يخلو حال الإمام أما أن يكون معصوما مأمونا منه فعل القبيح أو غير معصوم والثاني باطل وإلا لاحتاج إلى إمام آخر لحصول علة الحاجة فيه وننقل الكلام إلى ذلك الإمام ويتسلسل وبتقديره لا تنتفي علة الحاجة فيحتاج إلى إمام آخر فلا بد من عصمة الإمام اعترض بوجهين، الأول: قد بينتم الكلام على أن المعصوم لا يحتاج إلى إمام وعولتم في ذلك على أمر الأنبياء فلم زعمتم أن كل من ثبتت عصمته لا يحتاج إلى إمام ولم لا يجوزان يعلم الله من بعض عباده أنه إذا نصب له إماما آخر اختار الامتناع من كل القبائح وفعل جميع الواجبات، ومتى لم ينصب له إماما لم يختر ذلك ويكون معصوما، الثاني: لم لا يجوز أن يحتاج المعصوم مع عصمته الثابتة إلى إمام فيكون مع وجوده أقرب إلى فعل الواجب وترك القبيح، أجاب السيد المرتضى قدس سره عن الأول بأن هذا التقدير الذي قدرته لو وقع لم يقدح في قولنا إن المعصوم لا يحتاج مع عصمته إلى الإمام، لأن من كانت بالإمام عصمته لم يحتج إلى الإمام مع عصمته، وإنما احتاج إليه ليكن معصوما، فلم
وأنا أقول: إن هذين الاعتراضين فيهما تسليم المطلوب لأنه إذا كان المعصوم يحتاج إلى إمام يكون معه أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية بحاجة غير المعصوم أولى وأوكد.
واعترض فخر الدين الرازي على أصل الدليل بأنه مبني على أن الشيئين، إذا لم يكن أحدهما علة في الآخر جاز انفكاك كل واحد منهما عن الآخر وأنتم لم تذكروا عليه حجة بل أعدتم الدعوى لا غير، وهذا الاحتمال لو لم يكن له مثال من الموجودات لافتقر إبطاله إلى البرهان لأنها قضية مفتقرة إلى البيان لعدم ظهورها فإنه ليس من المستبعد أن يكون كل واحد من الشيئين غنيا في ذاته عن الآخر إلا أن حقيقة كل واحد منهما تقتضي أن يحصل لها هذا الوصف أعني معية الآخر وهذا الاحتمال له مثال من الموجودات، فإن الإضافات كالأبوة والبنوة وغيرهما لا يوجدان إلا معا مع أنه ليس لواحد منهما حاجة إلى الآخر، لأن إحدى الإضافتين لو احتاجت إلى الأخرى لتأخر وجود المحتاج عن وجود المحتاج إليه، فلا تكونان معا وهو خلف اتفاقا، لأنا نفرض الكلام في إضافتين متماثلتين كالأخوة والمماسة فإنهما لما تماثلتا لو احتاجت إحديهما إلى الأخرى لاحتاجت الأخرى إلى الأولى واحتاج كل واحدة إلى نفسها وهو محال.
أجاب عنه أفضل المحققين خواجة نصير الدين الطوسي بأن المفهوم من كون الشئ غنيا عن غيره ليس إلا صحة وجوده مع الغير، وكون البيان هو الدعوى بعينه يدل على أن الدعوى واضح بنفسه غير محتاج إلى برهان وإنما أعيد ذكره بعبارة أخرى ليرتفع الالتباس اللفظي، وأما المتضايفان، فليس كل واحد منهما غنيا عن الآخر كما ظنه، وليس الاحتياج بينهما دايرا كما ألزمه بل هما ذاتان أفاد شئ ثالث كل واحد منهما صفة بسبب الآخر، وتلك الصفة هي التي تسمى مضافا حقيقيا فإذن كل واحد منهما محتاج لا في ذاته بل في صفته تلك، وهذا لا يكون دورا، ثم إذا أخذ الموصوف والصفة معا على ما هو المضاف المشهور حدثت جملتان كل واحدة منهما محتاجة، لا في كلها بل في بعضها إلى الأخرى، لا إلى كلها بل إلى بعضها غير المحتاج إلى الجملة الأولى، فظن أن الاحتياج بينهما دائر ولا يكون في الحقيقة، كذلك فإذن ليس التلازم بينهما على وجه الاحتياج لأحدهما إلى الآخر على ما ظنه ولا على سبيل الدور فظهر من ذلك أن المعية التي تكون بين المتضايفين ليست من جنس ما تقدم بطلانه بل هي معية عقلية معناها وجوب تعقلهما معا.
وفيه نظر فإن كل واحد من معلولي العلة إذا نظر إليه مع علته كان مستغنيا عن الآخر، ولا يصح وجوده مع عدم الآخر بهذا الاعتبار، وكون الدعوى هو البيان مصادرة على المطلوب الأول، ولا يدل على وضوحه، وقد حذر في المنطق عن استعماله، وكيف يصح تسميته بالبيان مع أنه لم يستفد منه شئ، والمضافان قد يعني بهما تارة الذاتان اللتان عرضت الإضافتان لهما كذات الأب وذات الابن وتارة نفس العرض، ويسمى، المضاف الحقيقي كالأبوة والبنوة وتارة المجموع من الذات مع الإضافة الحقيقية، ويسمى المضاف المشهور، وبحثنا في الإضافة الحقيقية.
فنقول: هنا إضافتان هما الأبوة والبنوة وهما ذاتان وجوديتان عندهم
الثامن والسبعون: الغاية من خلق الإنسان هو حصول الكمال في القوة العلمية والعملية وأعلى المراتب في القوة العلمية هو العقل المستفاد وفي القوة العملية في العلم هو ذلك أيضا، ثم إصابة الصواب دائما، وفي العمل الامتناع عن القبيح وفعل الأفضل، ثم الاقتصار على الواجب وعدم الاخلال بشئ منه، والإمام عليه السلام لتحصيل المرتبة الثانية، والترغيب في الأولى والدعاء إليها، فيلزم أن يكون كاملا في المرتبة الأولى وإلا لم يصلح للتكميل فيكون معصوما.
التاسع والسبعون: الإمام شريك القرآن في إبانة الأحكام فإنه لما كانت الأحكام غير متناهية والكتاب متناه، فلم يمكن للمجتهد علم الأحكام منه
الثمانون: لو لم يكن الإمام معصوما لزم انتفاء الحاجة إليه حال ثبوتها فيلزم التناقض، واللازم باطل، فالملزوم مثله بيان الملازمة أنه إذا تحقق ووجه الحاجة إلى شئ فمع تحقق ذلك الشئ أما أن يبقى وجه الحاجة أو ينتفي مع فرض وجوده والأول يلزم أن لا يكون هو المحتاج إليه لأن تمام المحتاج إليه ما تندفع الحاجة بوجوده، فإذا لم تندفع الحاجة بوجوده لم يكن تمام المحتاج إليه، فإما أن يكون شيئا غيره ينضم إليه أولا، والأول منتف هنا قطعا إذ مع فرض طاعة المكلف له في جميع ما يأمره وينهاه يتم به الغرض ولا يحتاج إلى غيره في امتثال أوامر الشرع والثاني يقع الاستغناء عنه إذ مع وجوده لا تنتفي الحاجة ولا بانضمام غيره إليه فلا يحتاج إليه قطعا إذ نسبة وجوده وعدمه إلى انتفاء الحاجة واحدة إذا تقرر ذلك.
فنقول: الطريق إلى وجوب الحاجة إلى الإمام هو كونه لطفا في ارتفاع القبيح وفعل الواجب، وقد ثبت إن فعل القبيح والاخلال بالواجب لا يكونان إلا ممن ليس بمعصوم، وقد ثبت إن جهة الحاجة هي ارتفاع العصمة وجواز فعل القبيح واقتران العلم بالحاجة بالعلم بجهتها وصارت الحاجة إلى وجوب الإمام ما ثبت من كونها لطفا وجهة الحاجة إلى كونها لطفا ارتفاع العصمة وجواز فعل القبيح فالنافي جهة الحاجة ومقتضاها كالنافي لنفس الحاجة، فلو لم يكن الإمام معصوما لم يخرج عن العلة المحوجة إلى الإمام ولم تندفع الحاجة بوجوده فيلزم الاستغناء عنه حال الحاجة إليه.
وأما بطلان الثاني فظاهر للزوم التناقض اعترض بأن خلاصة كلامكم هو أن المعصوم لا تجب حاجته إلى الإمام وهذا مناقض قواعدكم لأن أمير المؤمنين عليا عليه السلام معصوم في حياة النبي صلى الله عليه وآله ومع ذلك كان محتاجا إليه ومؤتما به وكذلك القول في الحسن والحسين عليهما السلام في حياة أمير المؤمنين عليه السلام فإن زعمتم أن أمير المؤمنين عليه
أجاب السيد المرتضى قدس الله سره بأنا إنما منعنا حاجة المعصوم إلى إمام يكون لطفا له في تجنب القبيح وفعل الواجب ولم نمنع حاجته إليه من غير هذا الوجه ألا ترى إن كلامنا إنما كان في تعليل الحاجة إلى إمام يكون لطفا في الامتناع من المقبحات، ولم يكن في تعليل غير هذه الحاجة، وإذا ثبتت هذه الجملة لم يمتنع استغناء أمير المؤمنين عليه السلام لعصمته في حياة النبي عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيما ذكرناه، وإن لم يكن مستغنيا عنه في غير ذلك من تعليم وتوقيف وما أشبههما وكذلك القول في الحسن والحسين عليهما السلام مع أنهما مستغنيان بعصمتهما عن إمام يكون لطفا لهما في الامتناع عن القبائح وإن جازت حاجتهما إلى إمام للوجه الذي ذكرناه.
الحادي والثمانون: لو لم يكن الإمام معصوما لزم العبث والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أن الغاية هو ارتفاع جواز الخطأ، فإذا لم يرتفع ذلك لم تحصل الغاية فيكون إيجابه عبثا.
الثاني والثمانون: أدلة الشرع من الكتاب والسنة لا تدل بنفسها لاحتمالها ولذلك اختلفوا في معناها مع اتفاقهم في كونها دلالة فلا بد من مبين عرف معناها اضطرارا من الرسول أو من إمام، فلو جاز خلافه لم يمتنع أن لا ينزل الله تعالى كتابا ولا نبيا في الزمان فلما بطل ذلك من حيث إنه لا بد من مبين للمراد بالكتاب للاحتمال الحاصل فيه فكذلك القول في الإمام، اعترض قاضي القضاة عبد الجبار بأن هذا مبني على أن الكلام لا يدل بظاهره، وقد بينا فيما بعد ما به يدل وأبطلنا الأقاويل المخالفة لذلك وبينا ما يلزم عليها من الفساد.
وأجاب عنه السيد المرتضى نضر الله وجهه بأنا لسنا نقول إن جميع أدلة الشرع محتملة غير دالة بنفسها بل فيها ما يدل إذا كان ظاهره مطابقا لحقائق
من أهل اللغة قد اختلفوا في المراد بهما وتوقفوا في الكثير مما لم يصح لهم طريقه ومالوا في مواضع إلى طريقة الظن والأولى فلا بد والحال هذه من مبين للمشكل ومترجم للغامض يكون قوله حجة كقول الرسول صلى الله عليه وآله وليس يبقى بعد هذا، إلا أن يقال إن جميع ما في القرآن أما معلوم بظاهر اللغة أو فيه بيان من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يفصح عن المراد وإن السنة جارية بهذا المجرى، وهذا قول يعلم بطلانه بالضرورة لوجود. مواضع كثيرة من الكتاب والسنة قد أشكل على كثير من العلماء وأعياهم القطع فيها على شئ بعينه ولو لم يكن في القرآن إلا ما لا خلاف في وجوده ولا يتمكن من دفعه وهو المجمل الذي لا شك في حاجته إلى البيان والايضاح مثل قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) وقوله تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم) (للسائل والمحروم) إلى غير ما ذكرناه وهو كثير وإذا كان لا بد من ترجمته والبيان عن المراد به، فلو سلمنا أن الرسول قد تولى بيان جميع ما يحتاج إلى البيان منه ولم يخلف منه شيئا على بيان خليفته والقائم بالأمر بعده على نهاية ما اقترحه الخصوم في هذا الموضع لكانت الحاجة من بعده إلى الإمام في هذا الوجه ثابتة، لأنا نعلم أن بيانه عليه السلام وإن كان حجة على من شافهه به وسمعها من لفظه فهو حجة أيضا على من يأتي بعده ممن لم يعاصره ويلحق زمانه، ونقل الأمة لذلك البيان، وقد بينا أنه ليس بضروري وأنه غير مأمون منهم العدول عنه، فلا بد مع ما ذكرناه من إمام مؤد لترجمة النبي صلى الله عليه وآله مشكل القرآن وموضح عما غمض عنا من ذلك فقد ثبتت الحاجة إلى الإمام المعصوم مع تسليم أكثر قواعد المخالف.
اعترض قاضي القضاة بالمعارضة بالإمام بأن من غاب عنه إما أن ينقل كلامه إليه بالتواتر أولا، فإن كان الأول فليجر في الرسول، وإن كان الثاني فليجر أيضا في الرسول مثله، وأجاب عنه السيد المرتضى بالفرق بأن الإمام
الثالث والثمانون: الإمام يجب أن يؤتم به ويجب القبول منه والانقياد له فلو لم يكن معصوما لم يؤمن فيما يأمر وينهاه أن يكون قبيحا ولا يجوز تكليف الرعية للانقياد لمن هذه حاله والتزام طاعته بل إذا لم يكن معصوما لا يمتنع أن يرتد وأن يدعو إلى الارتداد وليس بعد ثبوت العصمة إلا القول بأنه لا بد من إمام منصوص عليه في كل زمان واعترض على هذا القاضي عبد الجبار بوجوه:
الأول: إنه إنما يلزم هذا لو قلنا بوجوب اتباع الإمام في كل شئ وليس بل الإمام عندنا هو الذي إليه القيام بأمور مبينة في الشرع والذي يلزم طاعته منه به ما بين الشرع حسن ذلك كما روى عن أبي بكر أنه قال: " أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم " وهذه طريقة علي عليه السلام فيما كان يأمر به.
لا يقال: إذا دعا قوما إلى محاربة أو غيرها وهم لا يعلمون وجهها يلزم طاعته به، فإن قلتم نعم لزم أن يكون معصوما لأنه إن لم يكن كذلك جاء فيما يأمر به أن يكون قبيحا، وإن قلتم لا لزم إفحامه فتنتفي فائدته.
لأنا نقول: الواجب اتباعه فيما لا يعلم قبحه وإن كان لا يمتنع أمره بالقبيح لكن فاعله مقدم على حسن من حيث يفعله لا على الوجه الذي يقبح كما أن العبد مكلف أن يطيع مولاه فيما لا يعلمه قبيحا على الوجه المذكور، فكذا رعية الإمام.
الثاني: قد ثبت إن المأموم في الصلاة مكلف بأن يتبع الإمام إذا لم يعلم أن صلاته فاسدة، ولا يخرج من أن يكون مطيعا وإن جوز في صلاة الإمام أن تكون قبيحة لأنه إنما كلف أن يلزم اتباعه في أركان الصلاة ولم يكلف أن يعلم باطن فعله فكذلك القول في الإمام وعلى هذه الطريقة يجري الكلام في الفتاوي والأحكام وغيرهما.
الثالث: يلزم من قولهم أن لا ينقاد الرعية للأمراء إذا لم يكونوا
الأول: إنه لو لم يجب اتباعه إلا فيما يعلم حسنه لزم إفحامه. لأن المكلف يقول له لا أعلم حسن هذا إلا بقولك، وقولك ليس بحجة، ووجوب اتباعه فيما لا يعلم قبحه لا يدفع وجه المفسدة، لأن المفسدة إنما لزمت من عدم أمن المكلف من أمره بالقبيح وتجويز ارتكابه الخطأ، ولا يندفع هذا إلا بدفع هذا الاحتمال أو نقيض الممكنة الضرورية، فيجب القول بامتناع القبيح عليه، وهذا هو العصمة.
الثاني: ما ذكره السيد المرتضى من أن وجوب اتباع غير المعصوم فيما لا يعلم قبحه يستلزم إمكان أن يتعبد الله تعالى بفعل القبيح على وجه من الوجوه لإمكان أن يكون ذلك الذي يأمر به معصيته، لكن ذلك محال فيلزم عصمته.
الثالث: ما ذكره السيد المرتضى أيضا، وهو أن الإمام إنما هو إمام في جميع الدين وما لم يكن متبعا فيه من الدين يخرج عن كونه إماما فيه، وهذه الجملة لا خلاف فيها، فليس لأحد أن ينازع فيها، لأن المنازعة في هذا الاطلاق خرق الاجماع، وأما ما رواه عن أبي بكر فلا يفيد علما ولا عملا للمنع من إمامته أولا وأنه خبر واحد لا يفيد في المسائل العلمية وأيضا فلأنه إذا بين أن كل ما يقوله ليس بحجة، فأما أن لا يكون شئ منها حجة فلا حجة في الخبر المذكور، وأما أن يكون البعض حجة، والبعض الآخر ليس بحجة، فلا يدل أيضا لجواز كونه من ذلك البعض، والأصل فيه أن الجزئية لا تصلح كبرى في الشكل الأول، فحينئذ لا يمكن الاستدلال، قوله هذه طريقة أمير المؤمنين عليه السلام فليس في ذلك زيادة على الدعوى، ولم يذكر رواية عنه تقتضي ذلك فلا دلالة لنتكلم عليها، والذي يؤمننا فما ظنه قيام الدلالة على إمامته وقيامها على أن الإمام يجب أن يكون معصوما ومقتدى به في جميع الدين قوله الواجب اتباعه فيما لا يعلم قبحه، وإن كان لا يمتنع أمره
وعن الثاني: إن إمامة الصلاة ليست بإمامة حقيقية لأنه لم يثبت فيها معنى الاقتداء الحقيقي، سلمنا كونها إمامة حقيقة، لكن الاقتداء هنا فيما التكليف فيه منوط بالظن، وثمة الاقتداء لتحصيل العلم وإزالة الاحتمال وإزالة الشك والريب.
وعن الثالث: إن الأمير مولى عليه ولعصمة الإمام وعدم مسامحته له يخاف من المؤاخذة والعزل وخطأه ينجبر بنظر الإمام عليه السلام ووجوده
وقال السيد المرتضى رحمه الله: الاقتداء بإمام لا بد أن يكون مخالفا للاقتداء بكل من هو دونه من أمير وقاض وحاكم، ولأن معنى الإمامة أيضا لا بد أن يكون مخالفا لمعنى الإمارة من غير رجوع إلى خلاف الاسم، وإذا كان لا بد من مزية بين الإمام ومن ذكرناه من الأمراء وغيرهم في معنى الاقتداء، فلا مزية يمكن إثباتها إلا ما ذكرناه وفيه نظر، فإن المحال اللازم في وجوب اتباع غير المعصوم آت هاهنا، ولا ينفع هذا في دفعه، ولأنا نمنع انحصار المزية فيما ذكرتم.
الرابع والثمانون: الإمام له صفات:
الأولى: إنه واحد.
الثانية: إنه يولي ولا يولي عليه.
الثالثة: إنه يعزل ولا يعزل.
الرابعة: يجب على غيره طاعته ولا يجب عليه طاعة غيره حال كونه إماما.
الخامسة: كلامه وفعله كل منهما دليل.
السادسة: اعتقاد الصواب في أفعاله وأقواله والجزم بعدم خطأه.
السابعة: له التصرف المطلق.
الثامنة: مخالفة تحل محاربته إلى أن يرجع طاعته بمجرد مخالفته.
التاسعة: يجب تعظيمه كتعظيم النبي صلى الله عليه وآله.
العاشرة: إنه حافظ للشرع.