وأما الرابع: فباطل لأنا نقول بوجوب الطاعة المنافي للقدرة بل الوجوب بالنسبة إلى الداعي الذي للإمام باعتبار اللطف الزائد والوجوب بالنظر إلى الداعي لا ينافي الامكان من حيث القدرة لاختلاف الاعتبار فلا جبر.
السابع: كل مكلف مأمور بجميع الطاعات مع اجتماع شرايط الوجوب ومنهي عن المعاصي كذلك وهذا هو العصمة، فالعصمة مطلوبة من الكل وغاية الإمام التقريب منها فكل واحد من الأمة ممكن العصمة وغاية الامكان التقريب منها بحسب الامكان، فلو يمكن واجب العصمة لم يكن علة ما في ثبوت الممكن لما تقرر في المعقول من وجوب وجود العلة.
إحديهما: إن بقاء نظام النوع ودفع الهرج والمرج علة غائية مقصودة من نصب الإمام.
وثانيتهما: إن مساواة الإمام لغيره في عدم العصمة وعدم النص عليه مع اختلاف الأهواء وتباين الآراء موجب للتنازع والهرج والمرج وهو أعظم الأسباب في إثارة الفتن وإقامة الحروب، لأنا نرى في الرياسات المنحصرة ذلك، فكيف مثل هذا الأمر العظيم إذا تقرر ذلك؟
فنقول: لو لم يكن الإمام معصوما لكان تعيينه أما أن يكون بنص النبي صلى الله عليه وآله أو لا.
والأول: يلزم منه خرق الاجماع إذ الأمة بين من يوجب العصمة والنص ومن ينفيهما ولا ثالث، فالثالث خارق الاجماع والثاني وهو أن لا يكون بنص النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلزم منه اختلال نظام النوع والهرج والمرج وهو ظاهر لكن انتظام النوع وأضداد ما ذكر غاية مجامعة في الوجود للإمام فيكون نقيض اللازم علة غائية مجامعة في الوجود للملزوم وأما بطلان التالي بقسميه فظاهر التاسع: اقتدار العاقل على الظلم جايز لوقوعه واستحالة القبيح منه تعالى ولاستلزام عدمه عدم المكلف أو ثبوته بالمحال والظلم قبيح فوجب في الحكمة التكليف بتركه وإلا لكان إغراء بالقبيح، والتكليف غير كاف في التقريب من تركه وإلا لم يجب الرئيس وللمشاهدة، فلو أوجب طاعته على المكلفين كافة وحرم معصيته وأباح له قتال عاصيه إلى أن يقتل أو يرد إلى طاعته مع عدم لطف زائد يمتنع معه اختيار المكلف للظلم وإن كان قادرا عليه بحيث لا يرتفع التكليف لكان إغراء بالقبيح وزيادة تمكن منه مع عدم الصارف إذ مجرد التكليف لا يكفي وهذا قبيح قطعا فلا بد في من أمر الله
العاشر: علة الاحتياج إلى الإمام هو القدرة على المعصية والقوة الشهوية وعدم العصمة ولم يكف التكليف وحده، فلا بد أن إيجاب تمكين الإمام من المكلفين وإيجاب طاعتهم له بحيث يتسلط على الكل ويكون قادرا عليهم من غير عكس إذا تقرر ذلك.
فنقول: تحكيم غير المعصوم كما ذكرنا زيادة في اقداره على أنواع الظلم والمعاصي، وقد بان فيما مضى وجوب الإمام المقرب والمبعد مع وجود القدرة على المعاصي وعدم العصمة ولم يكتف بالتكليف، فمع زيادة القدرة وزيادة التمكن أولى أن لا يكفي التكليف وحده، ويجب الإمام فكان يجب أن يكون مرؤسا لا رئيسا لكن رياسته أولى بالطاعة من الكل منه، ولا يكون من فرض إماما هذا خلف.
الحادي عشر: لا اعتبار في وجوب الإمام لمخصوصية المكلف بل الموجب لوجوبه هو قدرة المكلف وعدم العصمة والتكليف، فلو لم يكن الإمام معصوما لزم تحقق الموجب فيه فيجب أن يكون للإمام إمام آخر وننقل الكلام إليه والدور والتسلسل محالان، فتعين أن يكون الإمام معصوما.
الثاني عشر: إما أن يجب الإمام لجميع المكلفين مع عدم العصمة أو لبعضهم أو لا لواحد منهم والثاني باطل وإلا لزم الترجيح من غير مرجح.
والثالث: باطل أيضا لما بينا من وجوب الإمام، فتعين الأول فيكون للإمام إمام آخر.
الثالث عشر: علة المنافي منافية وهو ظاهر، والإمامة هي علة القرب من الطاعة والبعد عن المعصية، فلا بد أن تكون منافية للقرب من المعصية والبعد عن الطاعة وتحقق أحد المنافيين يستلزم نفي الآخر فيستحيل على الإمام القرب من المعصية والبعد عن الطاعة في وقت ما لتحقق الإمامة في جميع الأوقات فيستحيل عليه المعصية وترك الطاعة، وهذا هو وجوب
الرابع عشر: لا يجوز نقصان اللطف الواجب لمكلف لحصوله لآخر وإلا لجاز مجرد مفسدة مكلف لمصلحة آخر، وهو محال وقد بينا أن تمكين غير المعصوم زيادة اقتدار له على المعاصي والتكليف وحده مع عدم هذه الزيادة في الأقدار غير كاف فمعها أولى بعدم الكفاية، فلو لم يكن له إمام لنقص لطفه لأجل لطف مكلف آخر فيحصل محض المفسدة للمكلف لمصلحة آخر وهذا ظلم لا يجوز.
الخامس عشر: لو كفى غير المعصوم في اللطف لكان أما أن يكفي لنفسه ولغيره أو لنفسه خاصة أو لغيره خاصة أو لا لواحد منهما والأول باطل لوجوه:
أحدها: إنه لو كفى فإما باعتبار التكليف أو باعتباره واعتبار الإمامة، إذ لا غيرهما قطعا إجماعا والأول باطل وإلا لم يحتج إلى إمام آخر والثاني كما يقال يخاف القول من الرعية، وهو محال لأن تسلط غير المعصوم زيادة في اقداره وتمكينه بل في إغرائه لغلبة القوى الشهوية في الأغلب، والرعية لا قدرة لها على السلطان ولا عزله، فلا يتحقق خوفه منهم.
وثانيها: لو كفى لنفسه ولغيره ولكان تخصيص بعض دون بعض من غير علة موجبة مع تساويهم وهو محال.
وثالثها: إن الإمامة لو كفت في التقريب لنفسه لم يكن معصية، إذ الإمامة مقربة مبعدة، وقد حصلت فيه وتكفيه، فيلزم قربه من الطاعة دائما، وبعده عن المعاصي دائما وهذا هو العصمة ولا يمكن أن يتحقق هذا في حق الغير لأن الغير يجوز عدم علم الإمام به ولأن تقريب الإمام هو باعتبار الحمل على الطاعة وترك المعصية بمعنى أنه مع علمه وخوف المكلف منه وعلمه بعدم التجاوز يوجد منه داعي الفعل أو الصارف فتقريب الإمامة قريب من العلل الموجبة وهي متحققة في الإمام مع عدم الشروق في غيره،. فيجب قربه
السادس عشر: لا شئ من غير المعصوم تمكينه وإيجاب طاعته في جميع ما يأمر به وينهي، ويقتل ويقاتل لطف، وكل إمام تمكينه وإيجاب طاعته في ذلك كله لطف، ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام وهو المطلوب، لا يقال هذا قياس من الشكل الثاني وشرط انتاجه دوام الصغرى أو كون الكبرى منعكسة سلبا وعدم استعمال الممكنة إلا مع الضرورية أو تجعل كبرى لإحدى المشروطتين، والصغرى هاهنا، إما جزئية أو ممكنة إذ قد يعلم الله تعالى إن بعض المكلفين غير المعصوم لا يأمر باعتبار الإمامة إلا بالطاعة ولا ينهي إلا عن المعصية فيكون تمكينه لطفا والكبرى يمنع كونها ضرورية، وما البرهان عليه، لأنا نقول: إما أن يتقرر في العقول أن الإمام المنصوب يستحيل صدور معصية منه، ويستحيل أمره بمعصيته ونهيه عن طاعة، ويستحيل عليه الخطأ أو لا يتقرر ذلك، فإن كان الأول فهذا هو وجوب العصمة وإن كان الثاني لزم أحد الأمرين أما إمكان المعصية طاعة بمجرد اختيار إنسان غير معصوم وأمره، وأما نقض الغرض واللازم بقسميه باطل فالملزوم مثله، أما الملازمة فلأنه إما أن نجيب على المكلف في نفس الأمر جميع ما يأمر به وإن كان معصية ويصير طاعة أو لا يجب إلا ما يكون طاعة، والأول يستلزم الأول وهو ظاهر، والثاني يستلزم الثاني إذ يجوز المكلف أن لا يكون ما أمر به واجبا عليه في نفس الأمر، فلا ينقاد إلى فعله ويظهر التنازع وهو نقض الغرض فلا يكون لطفا بالضرورة، فقد ظهر أن الأولى ضرورية.
سلمنا: لكن الثانية ضرورية قطعا واختلاط الضرورية مع غيرها في الشكل الثاني ينتج ضرورية وقد أوضحنا ذلك في كتبنا المنطقية.
السابع عشر: تمكين غير المعصوم وإيجاب طاعته في جميع أوامره من غير
الثامن عشر: إنما يجب طاعة الإمام لو علم أنه مقرب إلى الطاعة مبعد عن المعصية وإنما يحصل ذلك لو لم يجوز عليه المكلف المعصية ولا الأمر بها، وذلك هو العصمة.
التاسع عشر: لو لم يكن الإمام معصوما لساوى المأمومين في جواز المعصية فكان تخصيص أحدهم بوجوب الطاعة والرياسة ترجيحا بلا مرجح وهو محال.
العشرون: لا شئ من غير المعصوم يجب طاعته في جميع أوامره سواء علم بكونه طاعة في نفس الأمر أو لا، وكل إمام تجب طاعته في جميع أوامره سواء علم بكونه طاعة أم لا ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام، أما الصغرى فلأن المأمور به إنما يجب مع علم المأمور بكونه طاعة يستحق عليه الثواب أو ظنه إذ تجويزه كون، المأمور به ذنبا، وإن الآمر قد يأمر بمعصيته، وبما ليس بطاعة مما ينفر المكلف عن الامتثال ويبعده عن ارتكاب مشاق التكليف، وأما الكبرى فلأنه لولا ذلك لانتفت فائدته ولزم إفحامه.
الحادي والعشرون: الإمام يحتاج إليه في حفظ الشرع وتقريب المكلف من الطاعة وتبعيده عن المعصية وإقامة الحدود والجهاد وحفظ نظام النوع.
فنقول: كل من هذه الخمسة يستلزم أن يكون معصوما، فلو لم يكن معصوما لزم مساواته لباقي المجتهدين فلا.
أما الأول: يخصص لحفظ الشرع دونهم بل يقومون مقامه فيه فيفتقر احتياجهم إليه فيه.
وأما الثاني: فإذا لم يكن معصوما ساوى غيره، فلو صلح لتقريب غيره مع مساواته إياه لصلح لتقريب نفسه فلم يحتج إليه فيه والإمامة زيادة في
أما الثالث فنقول: العلة الموجبة لنصب الإمام لإقامة الحدود جواز وجوبها على المكلف المعلول لعدم العصمة، فلو لم يكن الإمام معصوما لزم أحد الأمرين أما الترجيح بلا مرجح، وأما التناقض والتالي بقسميه باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أن الإمام إذا لم يكن معصوما وجد منه علة نصب مقيم الحدود فيه فإما أن لا يشرع لأحد إقامة الحد عليه أو يشرع فإن كان الأول لزم الترجيح من غير مرجح، إذ علة نصب مقيم عليه موجودة فيه ونصبه على المكلفين الباقين دونه يستلزم ذلك وهو أيضا خارق للإجماع، وإن كان الثاني فأما الرعية فيلزم غلبته عليهم وغلبتهم عليه وهو تناقض.
وأما الرابع: فإن لم يكن معصوما جوز المكلف خطأه في الدعاء إلى الجهاد فلا يبذل نفسه لعدم تيقنه بالصواب.
وأما الخامس: فتسليط غير المعصوم مما لا يؤمن عليه اختلال النظام، فقد ظهر أن مع عدم عصمة الإمام لا يحصل شئ من هذه المقاصد، فقد ظهر أن عدم عصمة الإمام يناقض الغرض وينفي فائدة نصبه.
الثاني والعشرون: لا شئ من غير المعصوم فعله حجة، وكل إمام، فعله حجة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام، أما الصغرى فلأن الدليل شرطه عدم احتمال النقيض واحتمال الخطأ فيه ظاهر لوجود القدرة والداعي وهو الشهوة والصارف له كالصارف لغيره من المجتهدين، إذ لا صارف إلا القبيح والعلم بقبحه وهو منازع غير المعصوم والإمامة زيادة في التمكين بل الصارف في المجتهد الذي هو رعية أولى لخوفه من الرئيس وأما الكبرى فلأنه قائم مقام النبي صلى الله عليه وآله وهي ظاهرة.
الثالث والعشرون: عدم فعل القبيح أما لعدم القدرة عليه أو العلم بقبحه مع انتفاء الداعي أو ثبوت الصارف وقد يكون لعدم العلم بنفس الفعل في الاختيار إذ الفعل الاختياري تابع للقصد التابع للعلم إذ مع ثبوت القدرة والجهل بالقبيح وثبوت الداعي وانتفاء الصارف والعلم بالفعل يجب
والأول يستلزم كونه معصوما مع اختلاف الاجماع، والثاني لا يصلح في الأغلب لسائر المكلفين العلم بحصوله وهو ظاهر، وأيضا فإن الإمام إذا لم يكن معصوما لم يحصل الجزم بثبوت الصارف لأن البحث في الصارف التام، وأيضا فإن الإمام إذا لم يكن معصوما ساوى غيره في الصارف، ولو ثبت تفاوت لم يدركه كل أحد بل الأغلب لا يدركه، وأما عدم العلم بأصل الفعل فباطل لأن التقدير علمه به لأنه يكون من باب الاتفاق والندرة ولا يجب فيه.
إذا تقرر ذلك فنقول: الإمام إذا لم يكن معصوما لم يكن فعله حجة على المجتهدين لمساواتهم إياه في العلم ولا على غيرهم لأن الحجة إنما تكون حجة مع عدم احتمال النقيض ولمساواته غيره من المجتهدين فليس ترجيحه بالتقليد أولى من العكس والإمامة زيادة في التمكين لما مر، فلا تصلح للصارفية ومن ليس فعله حجة لا يصلح، للإمامة لأن الإمام خليفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقائم مقامه.
الرابع والعشرون: علة الحاجة إلى الإمام هو التكليف وعدم العصمة، فلو لم يكن الإمام معصوما لم يحصل اندفاع الحاجة لثبوت علتها، فاحتاج مع وجود الإمام إلى إمام، فلا يكون ما فرض إماما محتاجا إليه.
السادس والعشرين: الإمام لاستدراك الخطأ في الناس وازلل، فلو جاز عليه ذلك لانتقض الغرض.
السابع والعشرون: الناس على ثلاث مراتب:
الأولى: الذين لا يجوز عليهم الخطأ والمعاصي.
الثانية: المصرون على ذلك.
الثالثة: الواسطة بينهم وهم من يجوز عليهم الخطأ تارة يفعلونه وتارة لا يفعلونه ولهم مراتب في القرب من أحد الطرفين والبعد من الآخر لا تتناهى فقصارى أمر الإمام التقريب إلى المرتبة الأولى والتبعيد عن الثانية، فمحال أن يكون من الثانية أو الثالثة فتعين أن يكون من الأولى.
الثامن والعشرون: إنما يراد من الإمام رفع الخطأ والبعد عن المعاصي فهو علة في نقيض الخطأ والمعاصي مع علمه وقدرته وإطاعة المكلف له وعلة نقيض الشئ يستحيل اجتماعهم معا وإلا اجتمع النقيضان والشروط في نفسه حاصلة مجتمعة فيستحيل صدور الخطأ منه عليه السلام، فيكون معصوما.
التاسع والعشرون: لو لم يكن الإمام معصوما لزم التناقض واللازم باطل فالملزوم مثله أما الملازمة فلأن المكلف مع اللطف المقرب المبعد أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية من المكلف المساوي له في عدم العصمة إذا لم يكن له ذلك اللطف فالمكلف الذي له إمام أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية من المكلف المساوي له في عدم العصمة إذا لم يكن له إمام قاهر عليه فلو لم يكن الإمام معصوما كان المأموم أقرب منه إلى الطاعة وأبعد عن المعصية
الثلاثون: الإمام أمره وكلامه دليل قاطع على الصحة من حيث إنه كلامه، ولا شئ من غير المعصوم كلامه دليل قاطع من حيث إنه كلامه، فلا شئ من غير المعصوم بإمام، بيان الصغرى إن مخالف كلام الإمام مخطئ قطعا، ويحل قتاله إلى أن يفئ إلى كلامه وكل ما ليس بدليل قطعي لا يقطع بخطأه ولا يحل قتاله، وأما الكبرى فظاهرة لاحتمال خطأه.
الحادي والثلاثون: كلام غير المعصوم مع عدم علم فسقه من حيث إنه كلامه ومع عدم العلم بصحته من جهة أخرى أعلى مراتبه أن يكون أمارة، ولا شئ من الإمام، كذلك ينتج لا شئ من غير المعصوم كذلك، أما الصغرى فلاحتمال خطأه وكذبه، ولا يدفع هذا الاحتمال إلا الأصل وإعادة الصدق، وكلاهما لا يوجبان الجزم لاحتمال النقيض معهما، وأما الكبرى فلأن مخالف كلام الإمام من حيث إنه كلامه إذا لم يعلم صدقه من جهة أخرى يقطع بخطأه ويحارب ويحل جهاده، ولا شئ من مخالف الأمارة كذلك، فكلام الإمام ليس بأمارة بل هو دليل مفيد للعلم.
الثاني والثلاثون: الإمام أمره دليل على التقريب من الطاعة والتبعيد عن المعصية، ولا شئ من غير المعصوم كذلك ينتج لا شئ من الإمام بغير معصوم، ويلزمه كل إمام معصوم، أما الصغرى فلأنه لولا ذلك لانتفت فائدة نصبه إذ لو جوز المكلف كون أوامره مقربة إلى المعصية ونواهيه مبعدة عن الطاعة لم يحصل له الوثوق به فلم تتوفر الدواعي على اتباعه وتنفرت الخواطر عنه ولم يقطع بخطأ مخالفة ولم يعتمد على قوله في الجهاد وغيره، وأما الكبرى فلأن الدليل هو المفيد للعلم وشرط المفيد للعلم عدم احتمال النقيض إذ مع احتماله يكون أمارة.
الرابع والثلاثون: أوامر الإمام ونواهيه وإرشاده دليل على اللطف، ولا شئ من غير المعصوم كذلك، أما الصغرى فظاهرة وإلا لم يكن مقربا ولم يثق المكلف به فتنتفي فائدته وهو ظاهر، وأما الكبرى فلأن الدليل ما يفيد العلم وأوامر غير المعصوم ونواهيه تحتمل النقيض فلا تكون دليلا.
الخامس والثلاثون: مع امتثال أوامر الإمام ونواهيه يأمن المكلف ويحصل له الجزم بالحق والطمأنينة، ولا شئ من غير المعصوم كذلك، أما الصغرى فلأن المكلف لا بد له من طريق إلى الأمن والجزم والطمأنينة والسنة والقرآن لا يحصل بهما ذلك خصوصا على القول بأن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين وأكثرها عمومات وظواهر، والنص الدال على الأحكام قليل منهما، والوحي بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منقطع فليس إلا الإمام، وأما إنه لا بد من طريق إلى ذلك، فظاهر، وكيف لا وقد نهى عن اتباع الظن، وأما الكبرى فظاهرة لاحتمال الخطأ.
السادس والثلاثون: كلما كنا مكلفين بالحق والصواب في جميع الأحكام كان الإمام معصوما لكن المقدم حق فالتالي مثله أما الملازمة فلأن الصواب والحق في جميع الأحكام لا بد من طريق إلى العلم به وإلا لم يقع التكليف به لاستحالة تكليف ما لا يطاق والسنة والكتاب لا يفيدان ذلك للمجتهدين قطعا، فتعين أن يكون هو الإمام، وأما حقيقة المقدم فلوجهين:
أحدهما: إما أن نكون مكلفين بالحق والصواب في جميع الأحكام أو لا
وثانيهما: إن أحكام الله تعالى ليست مفوضة إلينا وإلى اختيارنا، ونحن مكلفون بها في الوقائع إذ لم نخير في واقعة فيها حكم الله تعالى بل نحن مأمورون بذلك الحكم بعينه، والمجتهد لا يمكنه تحصيل ذلك من الكتاب والسنة، فتعين الإمام المعصوم إذ غيره لا يفيد.
السابع والثلاثون: الإمام لطف في فعل الواجبات والطاعات وتجنب المقبحات وارتفاع الفساد وانتظام أمر الخلق وهو لطف أيضا في الشرائع بأن يفسر مجملها ويبين محتملها ويوضح عن الأعراض الملتبسة فيها ويكون المفزع في الخلاف الواقع فيها الأدلة الشرعية عليه كالمتكافئة، ويكون من وراء الناقلين، فمتى وقع منهم ما هو جائز عليهم من الأعراض عن النقل بين ذلك وكان الحجة فيه واعترض قاضي القضاة عبد الجبار بأن قال: المكلفون أما يعلمون كون الإمام حجة باضطرار وباستدلال فإن قلتم باضطرار ونقضهم لا يؤثر في ذلك، قلنا: فجوزوا ذلك في سائر أمور الدين أن نعلمه باضطرار ولا يقدح النقض فيه فيقع الاستغناء عن الإمام.
وإن قلتم باستدلال قلنا: فنقضهم يمنع من قيامهم بما كلفوه من الاستدلال على كونه حجة. فإن قلتم: نعم لزمت الحاجة إلى إمام آخر ويتسلسل لأن الكلام فيه كالكلام في الإمام الأول ومع التسلسل فلا يؤثر الأئمة التي لا تتناهى، كما لا يؤثر الواحد فلا بد من القول بأنه يمكنهم معرفة الحجة والقيام بتصرفه من غير حجة فنقول فجوزوا مثل ذلك في سائر ما كلفوا به وإن كان النقض قائما أجاب السيد المرتضى قدس سره بوجهين:
الأول: إن هذا الاعتراض مبني على مقدمتين:
وثانيهما: إن ما كان لطفا في بعض التكاليف يجب أن يكون لطفا في جميعها وهاتان المقدمتان باطلتان، فالاعتراض باطل، أما بطلان المقدمة الأولى فنقول انا لم نثبت الحاجة إلى الإمام لأجل تعليمنا ما نجهله بفقده، بل قلنا بالاحتياج إليه في أشياء منها العلم ومنها كونه لطفا في مجانبة القبيح وفعل الواجب، ولا يقع الاستغناء عنه، ولو علمنا الكل باضطرار لأن الاخلال بما علمناه اضطرارا متوقع منا عند فقد الإمام ولا يمنع العلم بوجوب الفعل من الاخلال به، ولا العلم بقبحه من الإقدام عليه، فإن أكثر من يقدم على الظلم وفعل القبائح يكون عالما بقبحه.
وأما بطلان المقدمة الثانية: فلأن اللطف لا يجب عمومه بل في الألطاف العموم والخصوص المطلقان من وجه فلا يجب في كون الإمام لطفا في ارتفاع الظلم والبغي ولزوم العدل والإنصاف أن يكون لطفا في كل تكليف حتى في معرفة نفسه.
الثاني: إنه معارض بالمعرفة بالثواب والعقاب ومعرفة الله تعالى فإنها لطف في الواجبات والامتناع عن القبائح فإن كانت لطفا في نفسها حتى لا تجب على المكلف حتى يعرف الثواب والعقاب ويعرف الله تعالى أو لا يكون كذلك والأول ظاهر الفساد، والثاني: نقول إذا جاز أن يستغني بعض التكاليف عن هذه المعرفة مع كونها لطفا فيه، فهلا جاز الاستغناء عنها في سائر التكاليف لا يقال المعرفة بالثواب والعقاب وإن لم يكن لطفا في نفسها من حيث لم يصح ذلك فيها، فهناك ما يقوم مقامها وهو الظن لهما فلم يغن المكلف من لطف في تكليفه المعرفة، وإن لم يكن مماثلا للطفه في سائر التكاليف لأنا نقول: فاقنع منا بما اقنعتنا به، فإنا نقول: إن معرفة كل الأئمة يستحيل أن يكون اللطف فيها معرفة الإمام لأنه لا بد في أول الأئمة من أن يكون معرفته واجبة وإن لم يتقدم للمكلف معرفة بإمام غيره وإن استحال ذلك جاز أن يقوم مقامه المعرفة بالإمام في هذا التكليف. غيرها ولا
الثامن والثلاثون: علة الوجود تخرج المعلول من الامكان إلى الوجوب وعلة العدم تخرجه من الامكان إلى الامتناع والمخرج إلى الوجوب والامتناع لا يجوز أن يكون في حد الامكان، بل لا بد أن يكون واجبا أو ممتنعا، والإمام علة في الطاعات وعدم المعاصي، فيجب وجوب الأولى له أو امتناع الثانية وهو المطلوب.
التاسع والثلاثون: الناس بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما من شأنه أن يكون مقربا إلى الطاعة ومبعدا عن المعاصي أو لا يكون مقربا لغيره ولا مبعدا، وهو الطرف الأخير وأما أن يكون مقربا لغيره ومبعدا غير مقرب لغيره في هذا الزمان ولا يبعد وهو طرف المبدأ، وأما أن يكون مقربا ومبعدا، وهو الوسط وكل غير المعصومين في حكم الوسط أو الطرف الأخير لأن علة الاحتياج إلى المقرب والمبعد هو عدم العصمة فلو لم يكن المبدأ موجودا لزم أن يكون الوسط والأخير مبدأ وهو محال.
الأربعون: الإمام عليه السلام يحتاج إليه المكلفون من جهة عدم العصمة والمحتاج إليه مغاير للمحتاج من جهة الاحتياج، فالإمام مغاير للرعية من جهة عدم العصمة وكلما هو سبب من جهة عدم العصمة فهو معصوم وهو المطلوب.
الحادي والأربعون: كل محتاج فهو ناقص من جهة الاحتياج وكماله حصول ما تزول به الحاجة فالمكلف غير المعصوم يحتاج إلى الإمام من جهة عدم العصمة فكماله في زوال هذا الوصف، فقصارى أمر الإمام تحصيل العصمة للمكلفين غير المعصومين على حسب ما يمكن فمحال أن لا يكون معصوما، لأن المكمل كامل في ذاته ولأن تحصيل العصمة لا يتصور من غير المعصوم إذ أنها يلزمه بالحمل على الطاعة والمنع عن المعصية بحفظ الشرع فيما يشتبه هو التقوى والعدالة المطلقة لا غيرها.
أما الثاني: فلأن عدم عصمة المكلفين، إما أن يقتضي وجوب نصب الإمام أولا، والأول يستلزم إما عصمة الإمام أو ثبوت علة الحاجة معه فيلزم وجوب نصب إمام آخر، ويتسلسل ومعه أن حصلت عصمة زالت علة الحاجة وعصمة الإمام وإلا تثبت الحاجة فيحتاج إلى إمام آخر خارج عن الأئمة الغير المتناهي والكل باطل ظاهر الاستحالة، والثاني يقتضي عدم وجوب نصب الإمام لأن علة وجوب نصبه هو التكليف مع عدم العصمة إجماعا.
الثالث والأربعون: المقتضي لوجوب نصب الإمام أما عدم عصمة مجموع الأئمة من حيث هو مجموع أو عدم عصمة البعض، والأول باطل لعصمة كل الأمة والثاني يستلزم نصب إمام آخر للإمام مع عدم عصمته لثبوت علة الاحتياج ويستلزم التسلسل.
لا يقال: الواجب من عدم العصمة نصب الإمام، وقد حصل فلا يجب آخر لأنا نقول كلما لم ينتف علة الحاجة لم ينتف الحكم فإذا كان علة الحاجة في البعض الموجب للنصب لم ينتف في الجملة بهذا المنصوب وجب آخر لا يقال فمع عصمة الإمام لم ينتف علة الحاجة إليه وإلى عصمته وهو عدم عصمة باقي المكلفين، فيلزم المحذور لأنا نقول مع طاعة المكلف له وانقياده لأمره ونهيه ينتفي علة الحاجة، فالاخلال من المكلف هنا فلا يلزم المحذور، وأما مع عدم عصمة الإمام فلا ينتفي مع انقياد المكلف وطاعته له فلا يتمكن المكلف حينئذ من جبر هذا النقص ولا يحصل اللطف به بل طلب العصمة من المكلف مع عدم عصمة الإمام يكون تكليفا بالمحال.
الرابع والأربعون: المحتاج إلى شئ من حيث هو بالقوة وإنما يحتاج في خروجه من القوة إلى الفعل، والمحتاج إليه حال لحاجة إليه فيه لا يمكن أن يكون له ذلك بالقوة بل يكون واجبا له إذا تقرر ذلك، فالمحتاج إلى
الخامس والأربعون: المكلف قابل للعصمة، والإمام فاعل ونسبته الفعل إلى القابل بالامكان نسبته إلى الفاعل بالوجوب، فتجب العصمة بالنسبة إلى الإمام وهو المطلوب.
السادس والأربعون: هنا مقدمات:
المقدمة الأولى: الفعل حال المرجوحية محال، فكذا حال التساوي وإنما يقع حال الراجحية.
المقدمة الثانية: إنما وجب الإمام لكونه مقربا مبعدا، يعني حصول رجحان فعل الطاعات، ورجحان ترك المعاصي.
المقدمة الثالثة: إنه بالنظر إلى المرجح لو لم يحصل الترجيح لم يكن ما فرض مرجحا هذا خلف.
المقدمة الرابعة: العصمة ممكنة لكل مكلف لأن معناها فعل الواجبات والامتناع عن القبايح والله تعالى أمر بذلك كله لكل مكلف.
المقدمة الخامسة: شرائط ترجيح الإمام للعصمة اثنان:
الأول: قبول المكلف لأوامر الإمام ونواهيه وعدم مخالفته له في شئ.
الثاني: قدرته هذا ما يرجع إلى المكلف بحيث لا يلزم بالجبر.
المقدمة السادسة: مع وجود هذين الشرطين، أما أن يترجح العصمة بالنظر إلى الإمام أولا، والثاني محال لأنا فرضناه مرجحا مع وجود الشرائط، فقد تحققت الشرائط، فلو لم يترجح لم يكن ما فرضناه مرجحا مرجحا، هذا خلف وإن ترجحت فيكون نقيضها مرجوحا وقد قررنا إن الفعل حال المرجوحية ممتنع فيكون مع وجود الإمام وشرائط العصمة واجبة إذا تقرر ذلك.
السابع والأربعون: هنا مقدمات:
المقدمة الأولى: فرق بين وجوب الفعل على المكلف شرعا أو عقلا عند القائلين به وبين وجوب صدوره منه، وهذا ظاهر ولا يلزم من الأول الثاني.
المقدمة الثانية: إنما وجب الإمام لكونه لطفا مقربا إلى الطاعة، ومبعدا عن المعصية.
المقدمة الثالثة: ليس المراد من الإمام التقريب من بعض الطاعات والتبعيد عن بعض المعاصي بل التقريب من جميع الطاعات والتبعيد عن جميع المعاصي مع قبول المكلف منه وقدرتهما، فالمراد منه التقريب إلى العصمة وعدم ذلك إنما جاء من قبل المكلف لا من قبله.
المقدمة الرابعة: لا يتم التقريب من الطاعة والتبعيد عن المعصية بوجود الإمام وتكليفه وقبول المكلف منه والاقتداء بأفعاله، بل بصدور الأمر والنهي منه وعدم فعله لمعصيته لاقتداء المكلف به، ولأنه يبعد عن امتثال نهيه وأمره ويسقط محله من القلوب وعدم تركه لواجب فاللطف هو فعل الإمام للطاعات وامتناعه عن المعاصي وكونه بحيث لو قبل المكلف لأمر ونهي واللطف واجب، لأنا نبحث على هذا التقدير، فالواجب هو ذلك وهذا هو العصمة ووجه خروج ذلك عن الجبر خلق ألطاف زائدة يختار معه المكلف ذلك ويرجحه، وإن كان بالنظر إلى القدرة يتساوى الطرفان ولا منافاة بين الامكان من حيث القدرة والرجحان من جهة الداعي.
الثامن والأربعون: قد ظهر مما مضى أن الإمام مرجح مع الشرطين
التاسع والأربعون: كل غير المعصوم يمكن أن يقرب إلى المعصية ولا شئ من الإمام أن يقرب إلى المعصية بالضرورة، ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة وهو المطلوب.
الخمسون: الإمامة تنم فائدتها بأشياء:
الأول: نصب الله تعالى للإمام.
الثاني: نصب الأدلة عليه.
الثالث: قبول الإمام للإمامة.
الرابع: إيجاب الله تعالى على المكلفين طاعته وامتثال أوامره وتحليل قتال من خالفه.
الخامس: إعلامهم ذلك بنصب الأدلة عليه.
السادس: طاعة المكلفين له وامتثال أوامره ونواهيه، والخمسة الأول من فعله تعالى وفعل الإمام، والسادس من فعل المكلفين، فلو لم يكن الإمام معصوما لانتفى الأول، أما أولا فللإجماع، فإن الناس بين قائلين منهم من قال بالنص فأوجب العصمة ومن لم يوجبها لم يقل بالنص، فالقول بالنص مع كون الإمام غير معصوم خارق للإجماع ولم يجزم المكلف بذلك بقياسه بها، فينتفي فائدة نصبه إذا مع عدم جزم المكلف بذلك لم يحصل له داع إلى اتباعه، ولا يحصل الرابع أيضا، وإلا لأمكن اجتماع النقيضين أو خروج الواجب أو القبيح عنه، وكلاهما ممتنعان وإمكان الممتنع ممتنع ولقبحه عقلا.
الحادي والخمسون: مع اجتماع هذه الشرائط يجب التقريب لوجود
العلة والشرط وارتفاع المانع ولأنه لولا ذلك لانتفت فائدة الإمامة لأن فائدتها
تقريب المكلف من الطاعة وتبعيده عن المعصية، وهو العلة فيه مع اجتماع