الباب الثامن عشر
في عقاب الزنا والربا
قال النبي صلى الله عليه وآله: انّ لأهل النار صرخة من نتن فروج الزناة، فايّاكم والزنا فإنّ فيه ست خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة. فامّا التي في الدنيا: فانّه يذهب ببهاء الوجه، ويورث الفقر، وينقص العمر، وامّا التي في الآخرة: يوجب سخط الله، وسوء الحساب، وعظم العذاب، انّ الزناة يأتون يوم القيامة تشتعل فروجهم ناراً، يعرفون بنتن فروجهم(1).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: انّ الله مستخلفكم في الدنيا فانظروا كيف تعملون، فاتقوا الزنا والربا والرياء(2).
قيل: قالت المعتزلة يوماً في مجلس الرضا عليه السلام: انّ أعظم الكبائر القتل، لقوله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها...}(3).
____________
1- الكافي 5: 541 ح3; من لا يحضره الفقيه 3: 573 ح4960 باختلاف; وفي معالم الزلفى: 337.
2- الرياء، لم يرد في "ب" و"ج".
3- النساء: 93.
وقال صلى الله عليه وآله: إذا كانت خمس منكم رميتم بخمس: إذا أكلتم الربارميتم بالخسف، وإذا ظهر فيكم الزنا اُخذتم بالموت، وإذا جارت الحكّام ماتت البهائم، وإذا ظلم أهل الملّة ذهبت الدولة، وإذا تركتم السنّة ظهرت البدعة.
وقال صلى الله عليه وآله: ما نقض قوم عهدهم الاّ سلّط عليهم عدوّهم، وما جار قوم الاّ كثر القتل بينهم، وما منع قوم الزكاة الاّ حبس القطر عنهم، ولا ظهرت فيهم الفاحشة الاّ نشأ فيهم الموت، وما بخس قوم المكيال والميزان الاّ اُخذوا بالسنين.
وقال صلى الله عليه وآله: إذا عملت اُمّتي خمس عشرة خصلة حلّ بهم البلاء: إذا كان الفيء دولاً، والأمانة مغنماً، والصدقة مغرماً، وأطاع الرجل امرأته، وعصى اُمّه، وبرّ صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد. واُكرم الرجل مخافة شرّه، وكان زعيم القوم أرذلهم، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيّنات والمعازف(1)، وشربوا الخمور، وكثر الزنا، فارتقبوا عند ذلك ريحاً حمرآء، وخسفاً ومسخاً، وظهور العدو عليكم ثم لا تنصرون(2).
____________
1- في "ج": المغنّيات.
2- عنه الوسائل 12: 231 ح31.
الباب التاسع عشر
[وصايا وحكم بليغة]
وصيّة لقمان لابنه بعلوم وحكمة، قال: يا بني! لا يكن الديك أكيس منك وأكثر محافظة على الصلوات، ألا تراه عند كلّ صلاة يؤذّن لها، وبالأسحار يعلن بصوته وأنت نائم.
وقال: يا بني! من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يدخل مداخل السوء يُتّهم، ومن يُصاحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يجالس العلماء يغنم، يا بني! لا تؤخّر التوبة فإنّ الموت يأتي بغتة، يا بني! اجعل غناك في قلبك، وإذا افتقرت فلا تحدّث الناس بفقرك فتهون عليهم، ولكن اسأل الله من فضله.
يا بني! كذب من يقول: الشرّ يقطع بالشرّ، ألا ترى انّ النار لا تُطفى بالنار ولكن بالماء، وكذلك الشرّ لا يُطفى الاّ بالخير، يا بني! لا تشمت بالمصائب، ولا تعيّر المبتلي، ولا تمنع المعروف فانّه ذخيرة لك في الدنيا والآخرة.
يا بني! ثلاثة تجب مداراتهم: المريض والسلطان والمرأة، وكن قنعاً تعش غنيّاً، وكن متّقياً تكن عزيزاً، يا بني! انّك من حين سقطت من بطن اُمّك استدبرت
واجعل الموت نصب عينيك، والوقوف بين يدي خالقك، وتمثّل شهادة جوارحك عليك بعملك، والملائكة الموكّلين بك تستحي(1) منهم ومن ربّك الذي هو مشاهدك، وعليك بالموعظة فاعمل بها، فانّها عند العاقل أحلى من العسل الشهد، وهي في السفيه أشقّ من صعود الدرجة على الشيخ الكبير، ولا تسمع الملاهي فانّها تنسك الآخرة، ولكن احضر الجنائز، و زُر المقابر، وتذكّر الموت وما بعده من الأهوال فتأخذ حذرك.
يابني استعذ بالله من شرار النساء، وكن من خيارهنّ على حذر، يا بني لا تفرح بظلم أحد بل احزن على ظلم من ظلمته، يا بني الظلم ظلمات ويوم القيامة حسرات، وإذا دعتك القدرة إلى ظلم من هو دونك فاذكر قدرة الله عليك.
يا بني تعلّم من العلماء ما جهلت، وعلّم الناس ممّا علمت تذكر بذلك في ا لملكوت، يا بني أغنى الناس من قنع بما في يديه، وأفقرهم من مد عينيه إلى ما في أيدي الناس، وعليك يا بني باليأس ممّا في أيدي الناس، والوثوق بوعد الله، واسع فيما فرض عليك، ودع السعي فيما ضمن لك، وتوكّل على الله في كل اُمورك يكفيك، وإذا صلّيت فصلّ صلاة مودّع تظنّ أن لا تبقى بعدها أبداً.
واياك وما يُعتذر منه فانّه لا يُعتذر من خير، وأحبب للناس ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكرهه لنفسك، ولا تقل ما لا تعلم، واجهد أن يكون اليوم خيراً لك من أمس، وغداً خيراً لك من اليوم، فانّه من الستوى يوماه فهو مغبون، ومن كان يومه شرّاً من أمسه فهو ملعون، وارض بما قسّم الله لك فانّه سبحانه يقول: أعظم عبادي
____________
1- في "ب": لم لا تستحي منهم.
وأوصى رسول الله صلى الله عليه وآله معاذ بن جبل، فقال له: اُوصيك باتقاء الله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وخفض الجناح، والوفاء بالعهد، وترك الخيانة، وحسن الجوار، وصلة الأرحام، ورحمة اليتيم، ولين الكلام، وبذل السلام. وحسن العمل، وقصر الأمل، وتوكيد الايمان، والتفقّه في الدين، وتدبّر القرآن، وذكر الآخرة، والجزع من الحساب، وكثرة ذكر الموت، ولا تسب مسلماً، ولا تطع آثماً، ولا تقطع رحماً، ولا ترض بقبيح تكن كفاعله، واذكر الله عند كل شجر ومدر وبالأسحار وعلى كل حال يذكرك، فإنّ الله تعالى ذاكر من ذكره، وشاكر من شكره، وجدّد لكل ذنب توبة، السرّ بالسرّ والعلانية بالعلانية.
واعلم انّ أصدق الحديث كتاب الله(1)، وأوثق العرى التقوى، وأشرف الذكر ذكر الله تعالى، وأحسن القصص القرآن، وشرّ الاُمور محدثاتها، وأحسن الهدى هدى الأنبياء، وأشرف الموت الشهادة، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير العلم ما نفع، وشرّ العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى.
وشرّ المعذرة عند الموت، وشرّ الندامة يوم القيامة، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله تعالى في السر والعلانية، وخير ما اُلقي في القلب اليقين، وانّ جماع الإثم الكذب والإرتياب، والنساء حبائل الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، وشرّ الكسب كسب الربا، وشرّ المأثم أكل مال اليتيم.
السعيد من وُعظ بغيره، وليس لجسم نبت على الحرام إلاّ النار، ومن تغذّى بالحرام فالنار أولى به، ولا يستجاب له دعاء، والصلاة نور، والصدقة حرز،
____________
1- في "ب": كلام الله.
وعلى العاقل أن لا يكون ضاعناً(1) إلاّ في ثلاث(2): تزوّد لمعاد، ومرمّة لمعاش، لذّة في غير محرّم، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه، مقبلاً على شأنه، حافظاً للسانه.
وفي توراة موسى عليه السلام: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، ولمن أيقن بالحساب كيف يذنب، ولمن أيقن بالقدر كيف يحزن، ولمن أيقن بالنار كيف يضحك، ولمن رأى تقلّب الدنيا بأهلها كيف يطمئنّ إليها، ولمن أيقن بالجزاء كيف لا يعمل، لا عقل كالدين، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق.
وقال أبوذر: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله [بسبع خصال](3): حب المساكين والدنو منهم، وهجران الأغنياء، وأن أصل رحمي، وأن لا أتكلّم بغير الحق، ولا أخاف في الله لومة لائم، وأن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أكثر من قول: "سبحان الله والحمد الله ولا اله إلاّ الله والله اكبر، ولا حول ولا قوّة الاّ بالله العليّ العظيم" فهنّ الباقيات الصالحات.
وقال بعضهم: من سلك الجدد أمن العثار، والصبر مطيّة السلامة، والجزع مطيّة الندامة، ومرارة الحلم أعذب من مرارة(4) الإنتقام، وثمرة الحقد الندامة، ومن صبر على ما يكره أدرك ما يحب، والصبر على المصيبة مصيبة للشامت بها، والجزع عليها مصيبة ثانية لفوات الثواب وهي أعظم المصائب.
____________
1- ضعن: سار. (القاموس) 2- في "ج": أن يكون ساعياً في ثلاث.
3- أثبتناه من "ب" و"ج".
4- في "ج": حلاوة.
واعلموا انّها أيّام معدودة، وأرزاق مقسومة، وآجال معلومة، والآخرة أبد لا أمد له، وأجل لا منتهى له، ونعيم لا زوال له، فاعرفوا ما تريدون وما يُراد بكم، واتركوا من الدنيا ما يشغلكم عن الآخرة، واحذروا حسرة المفرطين، وندامة المغترين، واستدركوا فيما بقي ما فات، وتأهّبوا للرحيل من دار البوار إلى دار القرار، واحذروا الموت أن يفجأكم على غرّة ويعجلكم عن التأهّب والإستعداد، انّ الله تعالى قال: {فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون}(1).
فرب ذي عقل شغله هواه عمّا خُلق له حتّى صار كمن لا عقل له، ولا تعذروا أنفسكم في خطائها، ولا تجادلوا بالباطل فيما يوافق هواكم، واجعلوا همّكم نصر الحق من جهتكم أو من جهة من يجادلكم، فإنّ الله تعالى يقول: {يا أيّها الذين آمنوا كونوا أنصار الله}(2). فلا تكونوا انصاراً لهواكم والشيطان.
واعلموا انّه ما هدم الدين مثل امام ضلالة وضلّ وأضلّ، وجدالِ منافق بالباطل، والدنيا قطعت رقاب طالبيها والراغبين إليها، واعلموا انّ القبر روضة من رياض الجنّة، أو حفرة من حفر النار، فمهّدوه بالعمل الصالح، فمثل أحدكم يعمل الخير كمثل الرجل ينفذ كلامه يمهّد له، قال الله تعالى: {فلأنفسهم يمهدون}(3).
وإذا رأيتم الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على المعصية، فاعلموا انّ ذلك استدراج له، قال الله تعالى: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}(4).
____________
1- يس: 50.
2- الصف: 14.
3- الروم: 44.
4- الأعراف: 182.
فسبحان الله وتعالى، فانّا نعوذ به من ألسن واصفة، وأعمال مخالفة مع قلوب عارفة، فإنّ العمل ثمرة العلم، والخشية والخوف ثمرة العمل، والرجاء ثمرة اليقين، ومن اشتاق إلى الجنّة اجتهد في أسباب الوصول إليها، ومن حذر النار تباعد مما يدني إليها، ومن أحب لقاء الله استعد للقائه.
وروي انّ الله تعالى يقول في بعض كتبه: يا ابن آدم أنا حيٌّ لا أموت، أطعني فيما أمرتك أجعلك حيّاً لا تموت، يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون(1).
ولذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز: {ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلاً من غفور رحيم}(2).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: ثلاث مهلكات وثلاث منجيات، فاما المهلكات: فشحٌّ مطاع، وهوىً متّبع، وإعجاب المرء بنفسه، واما المنجيات: فخشية الله في السر والعلانية، والقصد في الغنى والفقر، والعدل في الرضا والغضب(3).
وقال الحسن عليه السلام: لقد أصحبت(4) أقواماً كأنّهم كانوا ينظرون إلى الجنّة ونعيمها، والنار وجحيمها، يحسبهم الجاهل مرضى وما بهم من مرض، أو قد خولطوا وانّما خالطهم أمر عظيم، خوف الله ومهابته في قلوبهم.
____________
1- عنه مستدرك الوسائل 11: 258 ح12928.
2- فصلت: 31-32.
3- الخصال: 84 ح11 باب3; عنه البحار 70: 6 ح2.
4- في "الف" و"ج": أصبحت.
واعلموا عباد الله انّكم مأخوذون بالإقتداء بهم والإتباع لهم، فجدوا واجتهدوا واحذروا أن تكونوا أعواناً للظالم، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من مشى(2) مع ظالم ليعينه على ظلمه فقد خرج من ربقة الإسلام، ومن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد حادّ الله ورسوله، ومن أعان ظالماً ليبطل حقّاً لمسلم فقد برئ من ذمّة الإسلام ومن ذمّة الله ومن ذمّة رسوله.
ومن دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله، ومن ظُلم بحضرته مؤمن أو اغتيب وكان قادراً على نصره ولم ينصره فقد بآء بغضب من الله ورسوله، ومن نصره فقد استوجب الجنّة من الله تعالى.
وانّ الله أوحى إلى داود عليه السلام: قل لفلان الجبار: انّي لم أبعثك لتجمع الدنيا على الدنيا، ولكن لترد عنّي دعوة المظلوم وتنصره، فانّي آليت على نفسي أن أنصره وأنتصر له ممّن ظُلم بحضرته ولم ينصره(3).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: من آذى مؤمناً ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيساً من رحمة الله، وكان كمن هدم الكعبة والبيت المقدس، وقتل عشرة آلاف من الملائكة.
____________
1- الأنعام: 90.
2- في "ج": مضى.
3- عنه البحار 14: 40 ح24.
ثم قال: اُدن منّي أزدك أحرفاً اُخر، ما آمن بالله ولا برسوله ولا بولايتنا أهل البيت من أتاه المؤمن في حاجة لم يضحك في وجهه، فان كان عنده قضاها له، وان لم تكن عنده تكلّفها له حتّى يقضيها له، فان لم يكن كذلك فلا ولاية بيننا وبينه. ولو علم الناس ما للمؤمن عند الله لخضعت له الرقاب، وانّ الله تعالى اشتق للمؤمن اسماً من أسمائه، فالله تعالى هو المؤمن سبحانه وسمّى عبده مؤمناً تشريفاً له وتكريماً، وانّه يوم القيامة يؤمن على الله تعالى فيجيز ايمانه(1).
وقال الله تعالى: ليأذن بحرب منّي من آذى مؤمناً وأخافه.
وكان عيسى عليه السلام يقول: يا معشر الحواريين تحبّبوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقرّبوا إلى الله بالبعد عنهم، والتمسوا رضاه في غضبهم، وإذا جلستم فجالسوا من يزيد في عملكم منطقه، ويذكركم الله رؤيته، ويرغبكم في الآخرة عمله(2).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام لأبي ذر: ألزم قلبك الفكر، ولسانك الذكر، وجسدك العبادة، وعينيك البكاء من خشية الله، ولا تهتم برزق غد، وألزم المساجد فإنّ عمّارها هم أهل الله، وخاصّته قرّآء كتابه والعاملون به.
وقال عليه السلام: المروءة ست، ثلاث في السفر وثلاث في الحضر: فالذي في الحضر تلاوة القرآن، وعمارة المساجد، واتخاذ الإخوان في الله، واما الذي في
____________
1- البحار 75: 176 ح12 باختلاف.
2- مجموعة ورام 2: 235; عنه البحار 14: 230 ح65 باختصار.
وكان الحسن عليه السلام يقول: يا ابن آدم من مثلك وقد خلّى ربك بينه وبينك، متى شئت أن تدخل عليه توضّأت وقمت بين يديه، ولم يجعل بينك وبينه حجّاباً ولا بوّاباً، تشكو إليه همومك وفاقتك، وتطلب منه حوائجك، وتستعينه على اُمورك، وكان يقول: أهل المسجد زوّار الله، وحق على المزور التحفة لزائره.
وروي انّ المتنخّم في المسجد يجد بها خزياً في وجهه يوم القيامة.
وكان الناس في المساجد ثلاثة أصناف: صنف في الصلاة، وصنف في تلاوة القرآن، وصنف في تعليم العلوم، فأصبحوا صنف في البيع والشراء، وصنف في غيبة الناس، وصنف في الخصومات وأقوال الباطل.
وقال عليه السلام: ليعلم الذي يتنخّم في القبلة انّه يُبعث وهي في وجهه.
وقال: يقول الله تعالى: المصلّى يناجيني، والمنفق يقرضني [في الغنى](2)، والصائم يتقرّب اليّ.
وقال: انّ الرجلين يكونان في صلاة واحدة وبينهما مثل ما بين السماءوالأرض من فضل الثواب.
____________
1- الخصال: 324 ح11 باب 6; عنه البحار 76: 311 ح2.
2- أثبتناه من "ج".
الباب العشرون
في قراءة القرآن المجيد
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: انّ هذه القلوب لتصدئ كما يصدئ الحديد، وانّ جلاءها قراءة القرآن(1).
وقال ابن عباس: قارئ القرآن التابع له لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة.
وقال: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس غافلون، وببكائه إذا الناس ضاحكون، وبورعه إذا الناس يطمعون، وبخشوعه إذا الناس يمزحون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وبصمته إذا الناس يخوضون.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: القرآن على خمسة أوجه، حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال، وما آمن بالقرآن من استحلّ محارمه، وشرّ الناس
____________
1- كنز العمال 1: 545 ح2441.
وقال جعفر بن محمد عليهما السلام في قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته}(1) قال: يرتلون آياته، ويتفقّهون فيه، ويعملون بأحكامه، ويرجون وعده، ويخافون وعيده، ويعتبرون بقصصه، ويأتمرون بأوامره، ويتناهون عن نواهيه.
ما هو والله حفظ آياته، ودرس حروفه، وتلاوة سوره، ودرس أعشاره وأخماسه، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده، وانّما هو تدبّر آياته، والعمل بأحكامه، قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}(2).
واعلموا رحمكم الله انّ سبيل الله سبيل واحدة وجماعها الهدى، ومصير العامل بها الجنة والمخالف لها النار، وانّما الايمان ليس بالتمنّي ولكن ما ثبت بالقلب، وعملت به الجوارح، وصدقته الأعمال الصالحة، واليوم فقد ظهر الجفاء، وقلّ الوفاء، وتركت السنّة، وظهرت البدعة، وتواخا الناس على الفجور، وذهب منهم الحياء، وزالت المعرفة، وبقيت الجهالة، ما ترى إلاّ مترفاً صاحب دنيا، لها يرضى ولها يغضب وعليها يقاتل، ذهب الصالحون وبقيت تفالة كتفالة الشعير وحثالة التمر.
وقال الحسن عليه السلام: ما بقي في الدنيا بقيّة غير هذا القرآن، فاتخذوه اماماً يدلّكم على هداكم، وانّ أحق الناس بالقرآن من عمل به وان لم يحفظه، وأبعدهم منه من لم يعمل به وان كان يقرأه.
وقال: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ.
وقال: انّ هذا القرآن يجيىء يوم القيامة قائداً وسائقاً، يقود قوماً إلى الجنّة، أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا بمتشابهه، ويسوق قوماً إلى النار، ضيّعوا
____________
1- البقرة: 121.
2- ص: 29.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: رتلوا القرآن ولا تنثروه نثراً، ولا تهذوه هذّ الشعر(1)، قفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
وخطب صلى الله عليه وآله وقال: لا خير في العيش إلاّ لعالم ناطق أو مستمع واع، أيّها الناس انّكم في زمن هدنة وانّ السير بكم سريع، وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد، ويقرّبان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود.
فقال له المقداد: يا نبي الله وما الهدنة؟ فقال: دار بلاء وانقطاع، فإذا التبست عليكم الاُمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فانّه شافع مشفع وشاهد مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه قاده(2) إلى النار، وهو أوضح دليل إلى خير سبيل، ظاهره حكم وباطنه علم، لا تحصى عجائبه ولا تنقضي غرائبه، هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به فاز، فإنّ المؤمن الذي يقرأ القرآن كالاترجة طعمها طيّب وريحها طيّب، وانّ الكافر كالحنظلة طعمها مرّ ورائحتها كريهة(3).
وقال صلى الله عليه وآله: ألا أدلّكم على أكسل الناس وأبخل الناس وأسرق الناس وأجفى الناس وأعجز الناس؟ فقالوا: بلى يا رسول الله.
فقال: أكسل الناس عبد صحيح فارغ لا يذكر الله بشفة ولا لسان، وأبخل الناس رجل اجتاز على مسلم فلم يسلّم عليه، واما أسرق الناس فرجل يسرق من صلاته، تلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب به وجهه(4)، وأجفى الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصلّ عليّ، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء(5).
____________
1- تهدروه هدر الشعر، (خل).
2- في "ج": ساقه.
3- أورده المصنف في أعلام الدين: 333; عنه البحار 77: 177.
4- في "ب": وجه صاحبها.
5- راجع البحار 84: 257 ح55; عن عدة الداعي.
الباب الحادي والعشرون
يتضمّن خطبة بليغة على سورة
قال: أيّها الناس تدبّروا القرآن المجيد، فقد دلّكم على الأمر الرشيد، وسلّموا لله أمره فانّه فعّال لما يُريد، واحذروا يوم الوعيد، واعملوا بطاعته فهذا شأن العبيد، واحذروا غضبه فكم قصم من جبّار عنيد، {ق والقرآن المجيد}(1).
أين من بنى وشاد وطول، وتأمّر على الناس وساد في الأول، وظنّ جهالة منه وجرأة انّه لا يتحول، عاد الزمان عليه سالباً ما خُوّل، فسقوا إذ فسقوا كأساً على هلاكهم عوّل، {أفعيينا بالخلق الأوّل بل هم في لبس من خلق جديد}.
فيا من أنذره يومه وأمسه، وحادثه بالعبر قمره وشمسه، واستلب منه ولده وأخوه وعرسه وهو يسعى في الخطايا مستتراً(2) وقد دنا حبسه {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}.
أما علمت انّك مسؤول عن الزمان، مشهود عليك يوم تنطق عليك
____________
1- الآيات الواردة في هذا الباب كلّها من سورة "ق".
2- في "ج": مشمّراً.
وكأنّك بالموت وقد اختطفك اختطاف البرق، ولم تقدر على دفعه بملك الغرب والشرق، وندمت على تفريطك بعد اتساع الخرق، وتأسفت على ترك الاُولى والاُخرى أحق، {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}.
ثم ترحلت من القصور إلى القبور، وبقيت وحيداً على ممرّ الدهور كالأسير المحصور، {ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد}، فحينئذ أعاد الأجسام من صنعها، وألّف أشتاتها بقدرته، وجمعها وناداها بنفخة الصور فأسمعها، {وجآءت كل نفس معها سائق وشهيد}.
فهرب منك الأخ وتنسى أخاك، ويعرض عنك الصديق ويرفضك ولاءك(1)، ويتجافاك صاحبك ويجحد الآءك، وتلقى من الأهوال كلّما أعجزك وساءك، وتنسى أولادك وتنسى نساءك، {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}.
وتجري دموع الأسف وابلاً ورذاذاً، وتسقط الأكباد من الحسرات أفلاذاً، ولهب لهيب النار إلى الكفار فجعلهم جذاذاً، ولا يجد العاصي من النار لنفسه ملجأً ولا معاذاً، {وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد}.
يوم تقوم الزبانية إلى الكفار، ويبادر من يسوقهم سوقاً عنيفاً والدموع تتحادر، وتثب النار [إلى الكفار](2) كوثوب الليث إذا استاخر(3)، فيذلّ زفيرها كل من عزّ وفاخر، {الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد}.
____________
1- في "ج": يرفض ولاءك.
2- أثبتناه من "ج".
3- في "ج": شاخر.
فالعياذ بالله من هذا الأمر المهول الذي يحار فيه الغافل الجهول، وتذهل منه ذوي الألباب والعقول، قد أعد للكافر اللعين ابن ملجم وللكافر يزيد، {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}.
فيا حسرة على العاصين حسرة لا يملك(2) تلافيها، ويا نصرة للمخلصين قد تكامل صافيها، ادخلوا الجنّة {لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد}، انظروا عباد الله فرق ما بين الفريقين بحضور القلب، واغتنموا الصحّة قبل أن ينخلع القلب، فاللذات تفنى ويبقى العار والثلب، {انّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: ما أصاب أحد همٌّ أو غمٌّ فقال: "اللهم انّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك، نفسي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضائك، أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتبك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وشفاء صدري، وذهاب غمّي، وجلاء حزني يا أرحم الراحمين" إلاّ أذهب الله همّه وغمّه، ونفّس كربه وقضى حوائجه.
وكان صلى الله عليه وآله يدعو فيقول: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما يبلغنا به جنّتك، ومن اليقين ما يهوّن علينا
____________
1- في "ب": انتصاف.
2- في "ب": يمكن.
اللهم آمن روعتي، واستر عورتي، اللهم أصلح ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح آخرتنا التي إليها منقلبنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والوفاة راحة لنا من كل سوء.
اللهم انّا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل برٍّ، والسلامة من كل إثم، يا موضع كل شكوى، وشاهد كل نجوى، وكاشف كل بلوى، [فانّك](1) تَرى ولا تُرى، وأنت بالمنظر الأعلى، أسألك الجنّة وما يقرّب إليها من قول أو فعل، وأعوذ بك من النار وما يقرّب إليها من فعل أو قول.
اللهم انّي أسألك خير الخير رضوانك والجنّة، وأعوذ بك من شر الشر سخطك والنار، اللهم انّي أسألك خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، انّك أنت علاّم الغيوب".
وروي عن ذي النون المصري انّه قال: وجدت على صخرة في بيت المقدس مكتوب: "كل خائف هارب، وكل راج طالب، وكل عاص مستوحش، وكل طائع مستأنس، وكل قانع عزيز، وكل طالب ذليل"، فنظرت فإذا هذا الكلام أصل لكل شيء، وكان يقول: يقدّر المقدّرون والقضاء يضحك منهم.
____________
1- أثبتناه من "ب" و"ج".
الباب الثاني والعشرون
في الذكر والمحافظة عليه
قال الله تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}(1).
وقال سبحانه في بعض كتبه: أهل ذكري في ضيافتي، وأهل طاعتي في نعمتي، وأهل شكري في زيادتي، وأهل معصيتي لا اُؤيسهم من رحمتي، ان تابوا فأنا حبيبهم، وان مرضوا فأنا طبيبهم، اُداويهم بالمحن والمصائب لاُطهرهم من الذنوب والمعايب(2).
وقال علي بن الحسين عليهما السلام: انّ بين الليل والنهار روضة يرتقي(3) في نورها الأبرار، ويتنعّم في حدائقها المتقون، فذابوا سهراً من الليل وصياماً من النهار، فعليكم بتلاوة القرآن في صدره، والتضرّع والاستغفار في آخره. وإذا ورد النهار فأحسنوا مصاحبته بفعل الخيرات وترك المنكرات، وترك ما يرديكم(4) من
____________
1- البقرة: 152.
2- راجع عدة الداعي: 252; عنه البحار 77: 42 ح10; وأورده في أعلام الدين: 279.
3- في "ج": يرتع.
4- في "الف": يؤذيكم.
وقال عليه السلام: [قال الله سبحانه:](1) إذا عصاني من يعرفني سلّطت عليه من لا يعرفني(2).
وقال عليه السلام: المؤمن نطقه ذكر، وصمته فكر، ونظره اعتبار.
وقال عليه السلام: انّ عدوّي يأتيني في الحاجة فاُبادر إلى قضائها خوفاً أن يسبقني أحد إليها وأن يستغني عنّي فتفوتني فضيلتها.
وسُئل عن الزاهد فقال: هو المبتلغ(3) بدون قوته، المستعد ليوم موته.
وقال: الدنيا سبات، والآخرة يقظة، ونحن بينهما أضغاث أحلام.
وقال: أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب، ومن طاعة الشيطان إذا حرد(4).
وخطب عمر بن عبد العزيز فقال: أيّها الناس انّكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى، وانّ لكم معاداً يجمعكم الله فيه ليوم الفصل والحكم بينكم، وقد خاب وخسر من أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء وجنّته التي عرضها السماوات والأرض بسوء عمله، وانّ الأمان غداً لمن باع قليلاً بكثير، وفانياً بباق، وشقاوة بسعادة.
ألا ترون انّكم أخلاف الماضين ويستخلفكم الله قوماً آخرون، يأخذون تراثكم، ويبوّء بكم أجداثكم، وفي كل يوم تجهزون غادياً ورائحاً قد قضى نحبه
____________
1- أثبتناه من "ب" و"ج".
2- الكافي 2: 276 ح30; عنه البحار 73: 343 ح27.
3- في "ج": المتبلّغ.