المائة السادسة
المائة السادسة من الأدلة الدالة على وجوب عصمة الإمام عليه السلام:
(الأول) كلما كان الإمام غير معصوم فدائما إما أن يكون الله تعالى مكلفا للعبد عقدا كسبيا من غير سبب ولا كاسب أو يكون مكلفا للعبد بما لا يعتقد أنه صواب ولا طريق له إلى اكتسابه والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أنه لا يخلو إما أن يكون المكلف مكلفا باعتقاد صواب أفعاله وأوامره ونواهيه أو لا والأول ملزم للأول إذ غير المعصوم يجوز عليه الخطأ والأمر بالمعصية فالمرجح للصواب الذي لا يتوقف بعده على مرجح أما أن يكون معلوم الحصول للإمام عند المكلف أولا والأول يستلزم عصمته لوجوب الطرف عند وجود المرجح التام وإن لم يكن معلوما كان تكليفه بذلك تكليفا بعقد ذي سبب من غير حصول سبب، والثاني أما أن يكون لحصوله للمكلف فيكون التكليف به تكليفا بالحاصل أو لعدم لزومه في وجوب طاعة الإمام أو لها أو لجواز نقيضه، والأولان محالان، أما الأول فلما تقدم وأما الثاني فلأن لطفية الإمام وطاعته من المكلف إنما يتم بذلك، والثالث يستلزم الجزء الثاني من المنفصلة المذكورة لأنه تعالى كلفه بطاعته في جميع أوامره ونواهيه، فإذا جاز الخطأ في بعضها أمكن أن يكون الله تعالى قد كلف العبد بالخطأ والقبيح وأما بطلان التالي بقسميه فظاهر لأن الأول تكليف بما لا يطاق وتكليف بالجهل وهو قبيح على الله تعالى، والثاني يستلزم إمكان النقيض عليه وهو محال، لا يقال هذا لا يرد على مذهبكم لأن عندكم إن الله تعالى قادر على القبيح،
الثاني: هنا مقدمات:
الأولى: كل ذي سبب فلا بد له من سبب تام يجب عنده المسبب.
الثاني: كل ما وجب لكونه لطفا في واجب لا يمكن أن يحصل ذلك الواجب إلا به وإلا لما وجب.
الثالثة: كل ما وجب علينا لكونه لطفا في تقريب المكلف غير المعصوم من الطاعة في واجب لا لغير ذلك لم يقم غيره مقامه في اللطفية في ذلك الواجب وإلا لم يتعين.
الرابعة: الإمام واجب علينا لكونه لطفا في تقريب المكلف غير المعصوم من الطاعة وتبعيده عن المعصية إذا تقرر ذلك.
فنقول: عند قدره الإمام على حمل المكلف على الطاعة وتبعيده عن المعصية وعلمه أما أن يقف السبب المرجح لفعل المتعقب (المستعقب) له على شئ آخر أولا والثاني محال وإلا لم يكن مقربا بل توقف على شئ آخر، وكان يجب عدم وجوبه يدل على عدمه، والأول يستلزم الوجوب عنده وإلا فأما أن لا يتوقف على شئ آخر فيكون ذو السبب ليس له سبب تام هذا خلف وكلما كان الإمام غير المعصوم لم يجب الترجيح عند اجتماع هذه الأشياء
فنقول: عند وجود الإمام والتكليف وعلم المكلف وقدرة الإمام على حمل المكلف على الطاعة وردعه عن المعصية وعلم الإمام وانتفاء المانع له إما أن يبقى رجحان وجود الفعل أو علته من المكلف في نفس الأمر ومرجوحية الترك فيه في نفس الأمر موقوف على شئ آخر أولا، والثاني محال وإلا لوجب ذلك الآخر لكونه لطفا لا يتم الفعل بدونه وكلما كان كذلك كان واجبا، لكن لا يجب على الله تعالى شئ آخر خارج عن هذه الأشياء وإن لم يتوقف فإما أن يجب الترجيح المتعقب المستعقب للفعل والترك عنده أم لا والثاني محال لأنه لا سبب غير ما ذكرناه وإلا كان موقوفا عليه، فإما أن يكون هذا هو السبب التام أو لا يكون له سبب تام، والثاني محال لما تقدم في الأول فيتعين الأول، وإذا كان كذلك وجب عصمة الإمام لوجود الإمامة، وقدرة الإمام في صورة نفسه وإلا لم يكن مكلفا فيتحقق السبب التام دائما فيتحقق المسبب ويمتنع نقيضه ولا نعني بالعصمة إلا ذلك لا يقال الإمامة لطف للغير وسبب في صورة الغير ولا في نفسه وإلا لكان إماما لنفسه وقاهرا لنفسه، لأنا نقول الأمر والنهي والقدرة والعلم في حق الإمام كاف أولا فإن كان الأول حصل السبب التام وهو المطلوب، وإن كان الثاني فإما أن يكون الموقوف عليه حاصلا للإمام أولا، والثاني محال وإلا لزم الاخلال باللطف الواجب، والأول يستلزم حصول السبب التام وأيضا فإن الإمامة لطف عام بوجودها للإمام وبعمل الإمام وحمله لغيره فاستغني بها من غيرها.
والثاني مستلزم الوجود والأول المقصود فلو كان الامام غير معصوم لكان معصوما لتحقق ما يجب عنده الأفعال، فيلزم المحال وهو اجتماع النقيضين وتحصيل المطلوب أيضا.
الثالث: الإمامة لطف لكل غير معصوم في تحصيل الواجبات ومنع المعاصي لتساوي الكل في علة الاحتياج وعدم قيام غيرها مقامها وإلا لم يجب عينا، وكلما كان الإمام قادرا على حمل المكلف على الطاعة وإبعاده عن المعصية عالما بذلك وجب تحقق ذلك، وإلا فإما أن نجيب أو يبقى على
الرابع: لو لم يكن الإمام معصوما لزم أحد الأمور الأربعة، أما كون ذي السبب لا سببا تاما له أو جعل غير ذي السبب سببا أو عدم إيجاب ما يتوقف عليه الفعل من اللطف أو إيجاب أحد المتساويين في وجه الوجوب عينا بلا مرجح مانعة خلو واللازم بأقسامه باطل فينتفي الملزوم أما الملازمة فإنه لا طريق للمكلف إلى تحصيل الحق والقرب من الطاعة والبعد عن المعصية إلا الإمام لأنه أما أن يكون طريقا أولا والثاني يستلزم جعل غير السبب سببا والأول أما أن يقوم غيرها مقامها أولا، والأول يستلزم إيجاب أحد المتساويين في وجه الوجوب عينا بلا مرجح والثاني أما أن يتوقف بعدها على شئ آخر أولا، والأول يستلزم عدم وجوب اللطف الذي يتوقف فعل الواجب عليه، والثاني أما أن يكون سببا تاما يتقرب المكلف معها ويعلم الحق أولا، والثاني يستلزم كون ذي السبب لا سبب تاما له والأول يلزم أن يكون معصوما إذ لا تكون إمامة غير معصوم سببا تاما لأنها مع طاعة المكلف وامتثاله لأوامره يمكن أن لا يقربه من الطاعة وأما بيان بطلان اللازم بأقسامه فظاهر.
الخامس: إمامة غير المعصوم مع طاعة المكلف للإمام وامتثال أوامره ليس طريقا للجزم بالنجاة والتقريب والتبعيد، ولا طريق غير الإمامة لما تقدم فيلزم أن لا يكون للمكلف طريق إلى معرفة نجاته وصحة أفعاله وهذا محال.
السادس: نصب الإمام والدلالة عليه وطاعة المكلف له في جميع أوامره وعدم مخالفته في شئ أصلا جعله الشارع سببا تاما في التقريب والتبعيد، فلو لم يكن الإمام معصوما لأمكن انفكاك التقريب والتبعيد منه، وكلما أمكن انفكاك أثره عنه لم يكن سببا ذاتيا بل غايته أن يكون أكثريا.
فنقول: كلما كان الإمام غير معصوم كان الله تعالى قد جعل السبب الأكثري أو الاتفاقي سببا ذاتيا لكن التالي باطل لاشتماله على الضلال، فكذا المقدم.
الثامن: الإمام غير المعصوم يمكن أن يخرج عن اللطف ولا يقوم به فإن بقي إماما لم يحصل اللطف وكان قد أقيم ما ليس بلطف ولا يحصل منه اللطف مقامه وهو محال لاشتماله على العبث أو الجهل المركب وإن لم يبق إماما، فإن لم ينصب غيره خلا عن اللطف الواجب، وإن نصب إماما غيره مع عدم دلالة عليه ولا تعريف المكلف ذلك ليستلزم تكليف ما لا يطاق، إذ لا معرف لإمامته إلا هو أو كل الأمة وذلك يؤدي إلى الهرج والمرج، والفتن وهو عين ما لزم من المحال.
التاسع: كلما كانت الإمامة ثابتة في كل وقت كانت لطفا محتاجا إليها في التكليف دائما، وكلما كان كذلك استحال أن يخلو عنها وقت لوجوبها على الله تعالى أو على الأمة على القولين فإهمالها خطأ، وكلما كان الإمام غير معصوم أمكن أن يخلو وقت ما عن اللطف إذ اللطف لا يتم بنصب الإمام خاصة بل بدعائه على تقدير إطاعة المكلف له، وهذا يمكن أن يخل به غير المعصوم واجتماع الممكنة المناقضة للضرورية معها محال.
العاشر: كل ما جعله الله عز وجل سببا موصلا للمكلف إلى غاية مطلوبة له تعالى يتوقف حصولها عليه وإنما تحصل تلك الغاية منه لا من غيره فلا بد وأن يكون واجب التأدية إليها أو بطلب تلك الغاية التي لا تحصل إلا من ذلك السبب دائما من المكلف مع عدم حصولها منه دائما، إذ لو كان حصولها منه دائما لكانت سببا ذاتيا إذ كل سبب يؤدي إلى مسببه دائما ذاتيا وكل سبب ذاتي يجب حصوله منه مع فرض عدمه، هذا خلف والقرب والبعد سببه الإمام مع طاعة المكلف له، فيكون واجبا عنه
الحادي عشر: دائما أما أن يكون الإمام معصوما، وأما أن يخرج الواجب عن كونه واجبا حال كونه مشتملا على وجه يقتضي وجوبه أو يخرج الشرط عن كونه شرطا، إذ يلزم تكليف ما لا يطاق مانعة خلو لأنه إذا لم يقرب المكلف من الطاعة بل نهاه عنها، فإما أن يبقى الفعل الذي هذا اللطف شرط فيه واجبا أو لا يبقى فإن لم يبق ثبت الأول، وإن بقي وخرج اللطف عن كونه شرطا لزم الثاني، وإن بقي لزم التكليف بالمشروط وحال عدم الشرط وهو الثالث لكن التالي بأقسامه باطل فهكذا المقدم.
الثاني عشر: كلما كان الإمام غير معصوم أمكن أن يكون الشرط معاندا حال كونه شرطا، لكن التالي باطل قطعا، فكذا المقدم بيان الشرطية أنه يمكن تبعيده المكلف عن المعصية حال كونه إماما شرطا في التكليف إذا لم يكن معصوما الثالث عشر: الإمام إنما احتيج إليه لأجل عدم العصمة، فالمراد منه نفي هذا الخلل مع إطاعة المكلف له في جميع أحواله، وكلما كان كذلك كان الإمام معصوما إذ يستحيل أن يطلب نفي شئ ممن هو متحقق فيه.
الرابع عشر: لطفية الإمام إنما يتم بما يرغب المكلف به المكلف الطالب للحق في اتباعه فيما يأمره به وينهاه عنه من الأوامر والنواهي الشرعية، وإن لا يصدر عن الإمام ما ينفره عنه وصدور المعصية منه مما يعدم رغبة المكلف له في اتباعه وينفره عنه فتستحيل عليه المعصية وإلا لانتفت فائدته.
الخامس عشر: إذا ارتكب الداعي ضد ما يدعو إليه كان من أعظم الدواعي إلى عدم طاعته، فلو ارتكب الإمام معصية ما، انتفت فائدته بالكلية.
السادس عشر: لا أعظم في النفرة عن اتباعه من معرفة، المكلف أنه مساو له في وجه الحاجة وأنه لا يتميز عنه بوجه فلا فائدة فيه.
الثامن عشر: ثبوت التكليف مع إمامة غير المعصوم مما لا يجتمعان، والأول ثابت قطعا فينتفي الثاني بيان التنافي إن التكليف إنما هو بالممكن وهو موقوف على اللطف الذي هو الإمام فإذا كان الإمام غير معصوم فإما أن يثبت أو لا يثبت، فإن كان الثاني قبح التكليف فاستحال منه تعالى وإن ثبت فالمكلف له نفرة عن اتباعه، فلا يتبعه وإنما وجب اللطف لأنه لا يفعل حتى يفقد هذا اللطف ومع هذا اللطف لا يفعل فلا يكون لطفا فينتفي التكليف لانتفاء شرطه وأما ثبوت الأول فظاهر.
التاسع عشر: كلما كان حصول الأثر لم يبق له مما يتوقف عليه الاستعداد القابل كان الفاعل قد وجب من الجهة التي هو بها فاعل وإلا بقي وجوب الفاعل مع استعداد القابل وهو خلاف التقدير وفاعل التقريب إلى الطاعة والتبعيد عن المعصية هو الإمام من جهة أنه مصيب غير مخطئ، ومع وجوده لم يبق إلا استعداد المكلف للحصول واستعداده هو قبوله وامتثاله أوامر الإمام ونواهيه فيلزم وجوب الجهة التي هو بها فاعل له وهي عدم الخطأ وملازمة الطاعات وعدم مقاربة المعاصي وهذه هي العصمة.
العشرون: لو كان الإمام غير معصوم لزم أحد الأمرين أما كون استعداد المحل مع إمكان جهة الفاعلية التي هي جملة ما يتوقف عليه الأثر،
الحادي والعشرون: عدم عصمة الإمام مع استحالة اجتماع المعلول مع عدمه علته مما لا يجتمعان والثاني ثابت فينتفي الأول أما المنافاة فلأن عدم عصمة الإمام يستلزم الاكتفاء بإمكان جهة الفاعلية بالفعل لما تقدم، والامكان بجامع السلب إذ المراد بالامكان الامكان الخاص هنا، وإذا جامع السلب جامع المعلول، السلب، لأن ما جامع العلة جامع المعلول، فيلزم ثبوت المعلول مع عدم علته، وأما ثبوت الثاني فظاهر.
الثاني والعشرون: كلما كان الإمام غير المعصوم كان الممكن واجبا، والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة إن عدم عصمة الإمام تستلزم الاكتفاء بالامكان في جهة الفاعلية فيكون كافيا في الوجوب من جهة الفاعل وهو واجب بالذات من حيث هي لا يمكن فرض نقيضه، فلا يمكن فرض نقيض معلوله مع الذات، وهذا هو الوجوب، لا يقال هذا وجوب بالنظر إلى العلة، فلا ينافي جواز فرض النقيض لا من هذه الجهة ولا ينافي الامكان، لأنا نقول: يلزم منه أنه حال فرض الامكان يمتنع معه فرض النقيض من غير التفات إلى شئ آخر فلا يكون إمكانا بل وجوبا.
الثالث والعشرون: لو كان الإمام غير معصوم لكان معصوما لأنه إذا استلزم عدم عصمة الإمام الاكتفاء من جهة الفاعلية بالامكان وجب به، فكان معصوما.
الرابع والعشرون: كلما كان الإمام غير المعصوم فكلما كان المكلف مطيعا له في جميع أوامره ونواهيه يجب أن يكون معصوما، والتالي باطل
جهة حسن طاعة الإمام هو كون المأمور به طاعة وكون المنهي عنه قبيحا لا لذاته، فإن وجوب اتباع الإمام إنما لأجل تعريفه وحمله على الطاعات ونهيه عن المعاصي، فهو تابع للمأمور به فلا يمكن أن يكون المكلف بامتثاله فاعلا للحسن. والإمام فاعلا للقبيح فإذا انتفى وجه الحسن انتفى الحسن.
الخامس والعشرون: كلما كان الإمام غير معصوم فقد لا يكون عدم العلة علة عدم المعلول، والتالي باطل مثله بيان الملازمة إن عدم عصمة الإمام يستلزم الاكتفاء بإمكان جهة الفاعلية الجامعة لعدم الفاعلية، فيكون عدم العلة ليس علة للعدم، وأما بطلان التالي فظاهر في علم الكلام.
السادس والعشرون: لو كان الإمام غير معصوم لكان وجوب المعلول مع إمكان العلة أو عدم اللطف الذي هو شرط في التكليف من جهة الله تعالى أو من الإمام مع طاعة المكلف الإمام وامتثال جميع أوامره ونواهيه والتالي باطل، فالمقدم مثله بيان الملازمة إن نصب إمام وحده غير كاف في اللطف بل مع دعاء الإمام إلى الطاعة وبعده عن المعصية، فإما أن يكفي فيه الامكان فيلزم وجوب المعلول مع إمكان العلة عند إطاعة المكلف له في جميع أوامره ونواهيه أو لا يكفي بل لا بد من الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية، فمع طاعة الإمام قد لا يحصل، فيكون اللطف قد انتفى من جهة الله سبحانه وتعالى، ومن جهة الإمام فلا يزاح العلة للمكلف ويكون معذورا، فيكون له الحجة.
السابع والعشرون: لا بد في اللطف من نصب الإمام طريق للمكلف
الثامن والعشرون: مرجح أحد طرفي الممكن لا بد أن يكون ذلك الطرف واجبا له لأن المتساوي الطرفين بالنسبة إليه محال بأن يكون مرجحا لأحدهما.
التاسع والعشرون: كلما كان الإمام غير معصوم كان قدرته على حمل المكلف على الطاعة وترك المعصية مع تكليفه وإمكان تجربة الصحيح وارتكابه الطريق السوي هو المقرب للمكلف إلى الطاعة، والمبعد عن المعصية وهذا بعينه متحقق في المكلف نفسه فيلزم أن يكون إيجابه عبثا، إذ ليس الفائدة في إيجابه الحمل بالفعل وإلا لزم أن لا يكون الكافر مكلفا بطاعة الإمام ولا الباغي.
الثلاثون: الوجوب لا بد أن يكون أما لذات الشئ كالمعرفة أو لمصالح ناشئة منه، والإمامة من الثاني.
فنقول: إما لا تحصل تلك المصالح إلا منه أو تحصل تلك المصالح منه ومن غيره بحيث يكون كل مصلحة تقتضي الوجوب يتساوى الفعلان في تحصيلها والأول يوجب إيجابه عينا.
والثاني: أما أن يكون أحدهما مشتملا على مصلحة لا تقتضي الوجوب بل تقتضي ترجيحه فيكون أفضل فيجب إيجابهما على التخيير وندبية الاتيان بالأفضل وأما أن يكون أحدهم مشتملا على بعض المصالح المقتضية للوجوب دون بعض فلا يوجب الثاني إلا عند تعذر الأول، هكذا ينبغي أن يفهم الواجب المعين أو المخير والذي على البدل إذا تقرر ذلك.
فنقول: الوجوه التي يقتضي وجوب نصب الإمام ووجوب طاعته متحققة في المكلف نفسه كما تقرر فجعله إماما عليه وإيجاب طاعته عليه عينا
الحادي والثلاثون: لو كان الإمام غير معصوم لزم أن يخير الشارع بين طاعته وطاعة أي مكلف كان، بحيث لا يجب طاعته عينا لأن قدرة الإمام على حمل المكلف ليس شرطا مطلقا، بل لو أطاعه المكلف وكل واحد هذا المعنى متحقق فيه فينتفي فائدة الإمامة، لا يقال: لا يجب التخيير على تقدير إمامة غير المعصوم للمانع وهو كون الإمام يجب أن يكون معينا.
لأنا نقول: لا نسلم أن المانع متحقق على تقدير تساوي الإمام وغيره، فإذا لزم خلاف الصارف من أمر لا يقال إنه لا مانع، بل يستدل من ذلك على استحالة ذلك الأمر.
الثاني والثلاثون: إمامة غير المعصوم تستلزم ارتفاع الواقع فليس بواقع ينتج إمامة غير المعصوم غير واقعة، أما الصغرى فلأنها تستلزم أحد الأمرين، إما ترجيح أحد الفعلين المتساويين في المصالح الناشئة منهما المقتضية للوجوب من غير مرجح أو تساوي الإمام وغيره في وجوب الطاعة لما تقدم وكلاهما خلاف الواقع وأما الكبرى فلأن كلما استلزم ارتفاع الواقع لو كان واقعا لزم اجتماع النقيضين وهو ظاهر.
الثالث والثلاثون: كلما يساوي الفعل وعدمه في منشأة الصالح التي جعلت مقتضية للوجوب كان الفعل غير واجب قطعا، وإمامة غير المعصوم للمكلف تساوي عدمها فيها لما تقدم، فيلزم أن لا تكون الإمامة واجبة هذا خلف.
الرابع والثلاثون: كلما كان الشئ وعدمه متساويين في المصالح اللطيفة لم يجب الشئ ولم يحتج إليه فلو كان الإمام غير معصوم لزم ذلك.
الخامس والثلاثون: لو كان الإمام غير معصوم لزم إيجاب الشئ مع مساواة عدمه لوجوده في منشئية المصالح التي جعل الوجوب لأجلها مع اشتماله على مفسدة ليست في عدمه والتالي باطل، فكذا المقدم بيان الملازمة إن المقتضى قدرة الإمام لو أطاعه المكلف وتكليفه وعقله ورغبته في الثواب،
السادس والثلاثون: لو كان الإمام غير معصوم لزم إيجاب أحد الشيئين المتساويين في منشئية المصالح مع كون أحدهما يحتاج إلى شرط أكثر دون الآخر والتالي باطل، فالمقدم مثله بيان الملازمة إن قدرة الإمام على التقريب والتبعيد مشروطة بطاعة المكلف بخلاف المكلف نفسه، وأما بطلان التالي فقد ظهر في علم الكلام.
السابع والثلاثون: لو كان الإمام غير معصوم لساوى المكلفين في وجه الحاجة لكن دفع حاجتهم موقوف على دفع حاجته إذ المحتاج في تحصيل شئ لا يغني غيره في تحصيله إلا بعد استغنائه وتحصيله فإن كانت إمامته دافعة لحاجته لزم العصمة إذ وجه الحاجة جواز الخطأ وإن لم تكن دافعة لحاجة وتحقق احتياجه لم يدفع حاجة غيره فلا يصلح للإمامة.
الثامن والثلاثون: كلما كان الإمام غير معصوم، فإما أن يكون فرض معصيته وأمره بها ممكنا أو محالا، والثاني يستلزم المعصية، والأول يلزم في فرض وقوعه محال، فلنفرض أنه وقع، فأما أن يكون كلما أطاعه المكلف في جميع أوامره ونواهيه في جميع الأوقات يكون ليس بمخطئ دائما، وأما أن يكون مخطئا في ذلك الوقت، والأول يستلزم كونه معصوما فيكون أولى بالاتباع، فإن اتباع المصيب دائما أولى من اتباع المخطئ في بعض الأوقات خصوصا إذا لم يعرف وقت خطأه، والثاني يستلزم أن لا يكون للمكلف طريق إلى المقرب من الطاعة والمبعد عن المعصية إذ ذلك يكون موقوفا على الإمام وإلا لم يجب نصبه ولا طريق إلا به لعدم وجوب سواه وهو في حال أمره بالمعصية لا يكون مقربا ولا هاديا فلا يكون للمكلف طريق إلى ارتكاب الصواب، فأما أن لا يكون مكلفا فيخرج عن التكليف فلا يجب الإمام في ذلك الحكم لأنه إنما يجب للتكليف، فإذا انتفى، فلا يجب اتباعه إذا، وهذه تكليف بما لا يطاق بعينه لعدم تعين الاتباع وقت عدمه، وإن بقي
التاسع والثلاثون: كلما كان الإمام غير معصوم أمكن في كل تكليف أن يكون قبيحا مع قدرة المكلف وعلمه ووجه وجوب الفعل لأن الإمام إذا أخطأ فيه وهو لطف في التكليف لا يحسن بدونه لطفيته باعتبار ذاته بل بإصابته لكن التكليف الذي كلف الله تعالى به يستحيل أن يكون قبيحا.
الأربعون: إمامة غير المعصوم تستلزم شدة حاجة المكلف، وكل ما استلزم شدة الحاجة استحال أن يحصل به الغنى، وكل ما استحال أن يحصل به الغنى كان نصبه للغنى محالا بيان الاستلزام إن المكلف محتاج إلى المقرب وإلى من يحصل له الإصابة وإلى رئيس يحفظه من جور غيره عليه ودفع الظلم من القوي، فإذا كان الإمام غير معصوم احتاج إلى معرف أنه إنما دعاه إلى الطاعة ودفع ظلمه، إن ظلمه فلأن التكليف باتباع الإمام زيادة في التكليف، لكن معرفة صواب ذلك لا يصلح من الإمام لاحتماله الخطأ، فلا بد من مقرب آخر.
الحادي والأربعون: الإمامة زيادة تكليف للإمام مع جواز خطأه وكونه غير معصوم، فحاجته إلى إمام أزيد من حاجة المكلف.
الثاني والأربعون:
الإمام إذا كان في التكليف المتعلق بنفسه يحتاج إلى إمام ففي الذي يتعلق بغيره وبمصالح غيره أولى بالاحتياج فيساوي غيره في التكليف المتعلق بالنفس، فيزيد في التكليف عنه بتولي مصالح غيره، فهو إلى المقرب أحوج لزيادة تكليفه.
الثالث والأربعون: كل مبدأ يخرج ما بالقوة إلى الفعل محال أن يكون بالقوة بل لا بد وأن يكون بالفعل والإمام مخرج للمكلف في قوته العملية من القوة إلى الفعل في العمل، فلا بد وأن يكون بالفعل بالنسبة إلى كل واحد من الواجبات وهذا هو العصمة.
الرابع والأربعون: كل مبدأ للكمال فإن كماله بالفعل، والإمام مكمل للمكلف من حيث عدم العصمة، فلا بد وأن يكون كاملا بالفعل
الخامس والأربعون: غير المعصوم ناقص، فأراد الله سبحانه وتعالى تكميله وكان لا يتكمل إلا بالإمام، فنصب الله الذي جلت عظمته وتقدست أسماؤه الإمام لتكميله، فلا يمكن أن يكون ناقصا.
السادس والأربعون: لو كان الإمام غير معصوم لزم أن يكون أحد المثلين علة في الآخر، والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة إن غير المعصوم قواهم العملية متساوية فقوة الإمام متساوية لقوة المأموم مع أن قوة الإمام علة.
السابع والأربعون: لو كان الإمام غير معصوم لزم إمكان كون المعلول أقرب استعدادا إلى الوجود من العلة والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أن العصمة والفجور طرفان وبينهما مراتب لا تتناهى فلو كان الإمام غير معصوم لزم أن يكون بعض المكلفين أقرب منه إلى الطاعة، ولو في بعض الأزمان لكن قوته العملية علة.
الثامن والأربعون: لو كان الإمام غير معصوم لزم إمكان كون الامكان البعيد عن الوجود علة في الفعل، والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة، أن الإمام إنما احتيج إليه لكون المكلف غير معصوم، ويمكن له العصمة، وفعل الإمام بقوته العملية يقربه من طرف العصمة مهما أمكن بحيث يوصله إليها إن أطاع المكلف فقد تكون بالنسبة إلى مأموم ما أقرب منها إلى الإمام، فيكون الممكن إلا بعد من الوجود أقرب علة في الفعل، وهذا محال.
التاسع والأربعون: لو كان الإمام غير معصوم لزم إما إمكان كون ما بالذات بالغير أو إمكان الدور، والتالي بقسميه باطل، بالمقدم مثله بيان الملازمة أن الإمام مع باقي ما يتوقف عليه وجودها لا يخلو أما أن يكون علة في إمكان الطاعة للمكلف أو في حصولها له بالفعل، والأول ملزوم للأول إذ إمكان الطاعة له لذاته فلو كان معلولا للغير لكان ما بالذات معلولا بالغير، وهو الأمر الأول والثاني ملزوم للثاني، لأن المكلف إذ لم يعلمها إلا من
الخمسون: الإمام إنما يجب لكونه مقربا بالفعل وإلا لم يتحقق وجوب طاعته بالنسبة إلى الكافر بل يجب لكون مقربا بالقوة ثم هذا له معنيان:
أحدهما: إنه لو أطاعه المكلف أو تمكن من حمله على الطاعة وتوقف فعلها على تقريبه لأمكن أن يكون مقربا.
وثانيهما: إنه لو حصل استجماع الشرائط غير التقريب وما يتوقف عليه كالإرادة المستعقبة للفعل مع توقف الفعل عليه لوجب أن يقرب، وليس المراد الأول وإلا لأمكن نقيضه مع استجماع الشرائط قبل المكلف سوى التقريب وما يتوقف عليه فيكون المكلف معذورا، والإمام مهملا، فينتفي فائدته بل المراد الثاني وإنما يكون كذلك لو كان معصوما إذ غير المعصوم يمكن أن لا يقرب.
الحادي والخمسون: الفعل موقوف على شرائط منها الإمام وما يتعلق به وهو قسمان منها ما هو من فعل المكلف كامتثال أوامره وطاعته والداعي، وغير ذلك، ومنها ما هو فعل الله عز وجل كنصب الإمام أو من فعل الإمام كقبوله الإمامة وتقريبه عند الحاجة ودعائه وحمله على الطاعة مع قدرته، فعدمه إنما يكون بعدم بعضها فإما أن يكون ذلك من فعل المكلف أو من فعله تعالى أو من فعل الإمام فعلى تقدير عدم الأول بأن يكون قد أتى المكلف بجميع ما يرجع إليه غير تابع فعل الإمام كإرادة الفعل فيكون ما هو تابع لفعل الإمام بحالة لو فعل الإمام فعله لفعل المكلف ذلك ولو أمكن تحقق الثاني لكان الاخلال بالواجب بسبب الإمام فلا يكون مقربا إلى الطاعة حينئذ مع قدرته وطاعة المكلف له، فلا يكون إماما في تلك الصورة وهو محال أو
الثاني والخمسون: لو كان الإمام غير معصوم لكان لطفا بوجوده وعدمه والتالي باطل، فالمقدم مثله بيان الملازمة أن كل حكم لحق الممكن من حيث هو ممكن تساوي فيه وجوده وعدمه لتساوي الطرفين من جهة الامكان، فالإمام إنما وجب لكونه لطفا، فإما أن يكون كونه لطفا لإمكان تقريبه أو لتقريبه بالفعل لو إطاعة المكلف أو تمكن من حمله أو تقريبه بالفعل لا مطلقا لا باعتبار هذين الشرطين والثالث محال لما تقدم، والأول باطل وإلا لتساوي فيه وجوده وعدمه وتعين الثاني وإنما يكون كذلك لو كان معصوما.
الثالث والخمسون: إما أن يكون الإمام له لطف زائد علينا يقتضي مرجوحية فعل الحرام أو الاخلال بواجب أو لا، والثاني يستلزم مساواته لباقي المكلفين في جواز فعل كل معصية، فيلزم جواز الكذب في التبليغ، ويلزم ما ذكرنا من المحال والأول يستلزم عصمته، إذ اللطف الزائد يقتضي منع الحرام من حيث هو حرام.
الرابع والخمسون: أحد الأمرين لازم وهو إما كون التكليف والقدرة والعلم في الإمام كافيا في تقريب بحيث يؤثر ما يؤثر الإمام المقرب لنا من الطاعة والمبعد عن المعصية مع طاعتنا له أو مع قدرته وتمكنه من حمل المكلف على ذلك مع عدم إخلاله بالتقريب والتبعيد في حال ولا في شئ، وأما أن يكون له لطف زائد غير خارج عنه يقتضي ذلك كاستحضاره ذكر الله تعالى مع زيادة معرفته وبالجملة شئ من الألطاف يقتضي ذلك، وأما ما كان يلزم عصمته الإمام وإنما قلنا: أن أحد الأمرين لازم لأن المكلفين متساوون في اللطف الذي هو شرط وقد بينا أن الإمام لطف للرعية في التكليف بحيث لو أطاعه المكلف أو تمكن منه قربه من التكليف الذي يتمكن
الخامس والخمسون: كل فعل من فاعل يستحيل عليه الخطأ والجهل، فإن وجوده ينافي عدم غايته وإلا كان عبثا، والإمامة فعل من فاعل يستحيل عليه الخطأ لأنها إما من الله تعالى أو من كل الأمة وكلاهما يستحيل الخطأ عليهما، والغاية من وجود الإمامة هو كون المكلف بحيث لو أطاع الإمام أو تمكن الإمام من حمله لم يخل بشئ من الواجبات ولم يفعل شيئا من المحرمات وإلا لزم الترجيح بلا مرجح أو انتفت فائدته والثاني متحقق في حق الإمام فلو لم يكن معصوما لزم انتفاء الغاية مع وجود الفعل ولكن قد قلنا باستحالة اجتماعهما والإمامة ثابتة فيلزم العصمة.
السادس والخمسون: لو لم يكن الإمام معصوما لكان لطفه أقل من لطف رعيته ولزم التفاوت في اللطف المعتبر في التكليف لكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية إن اللطف الذي للمكلف هو عبارة عن الإمام بحالة لو تمكن الإمام من حمل المكلف على فعل التكليف حصل من المكلف ذلك ولم يخل بشئ من الواجبات فالإمام إن ساوانا في الاحتجاج إلى اللطف لم يمكن له إمام بل كان لطفه من الألطاف النفسانية فإن فعل لطفنا واتحد المحل وتحقق الشرط لأنه شرط التكليف إذن لزم العصمة لتحقق العلة المستلزمة لتحقق المعلول وإن لم يفعل فعل لطفنا كان أنقص فيلزم تفاوت المكلفين في اللطف المعتبر في التكليف وأما بطلان التالي فقد بين في علم الكلام وهو ظاهر فإن التفاوت في الشرط يستلزم تفاوتهم في المشروط فلا يكون الذي لطفه أنقص مكلفا لعدم الشرط.
السابع والخمسون: لو لم يكن الإمام معصوما لم يكن مكلفا لعدم الشرط والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أنه إذا لم يكن معصوما لم يكن
الثامن والخمسون: لو لم يكن الإمام معصوما لزم أحد الأمرين، إما عدم عموم وجوب طاعته بالنسبة إلى المكلفين أو الأحكام أو إمكان وجوب اجتماع الأمة على الخطأ والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أنه إذا أخطأ وأمر الأمة باتباعه فإما أن يجب أو لا، والثاني: إما أن يجب على الكل أو في هذا الحكم وأياما كان لزم الأمر الأول والأول يستلزم الأمر الثاني وأما بطلانهما فظاهر.
التاسع والخمسون: الإمامة هي المقتضية للتقريب من الطاعة والتبعيد عن المعصية فهي مع قدرة الإمام على حمل المكلف أو طاعته له مانعة من المعصية والمانع من الشئ يستحيل اجتماعه معه.
الستون: الإمام حافظ للشرع لوجود حكم الله تعالى في كل واقعة لما تبين في علم الكلام من وجود التكليف وعدم وفاء السنة والكتاب به فلولا حافظ للشروع لزم تأخر البيان عن وقت الحاجة فكل مسألة يقع فيها خلاف يجب أن يرجع فيها إليه ويعمل الكل بقوله ويجمعوا على صحته ويفتي به المجتهدون وكل من ليس بمعصوم ليس كذلك لمساواته المجتهدين فالإمام معصوم.
الحادي والستون: قول الإمام يجب على المجتهدين كافة الرجوع إليه وترك ما دل الاجتهاد عليه فلو لم يكن معصوما لم يكن كذلك.
الثاني والستون: قول الإمام أقوى من كل اجتهاد يفرض فيكون يقينا فيكون مساويا لقول النبي صلى الله عليه وآله ولا شئ من غير المعصوم، قوله مساو لقول النبي صلى الله عليه وآله في اليقين بمجرد قوله إجماعا فالإمام معصوم.