الصفحة 90
المعصية، وهو لطف في التكليف وبه فعلوا ذلك أولى بذلك بل ينبغي أن يكون هو المراد بذلك لا غير، وأما الكبرى فلقوله تعالى: * (أن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) * وغير المعصوم يمكن أن يكتم ما أنزل الله ويشتري به ثمنا قليلا، فليس مقطوعا بتزكية الله تعالى له يوم القيامة.

الثاني والأربعون: الإمام مقطوع بأنه غير مخزي يوم القيامة بالضرورة ولا شئ من غير المعصوم كذلك، فلا شئ من الإمام بغير معصوم، أما الصغرى فلاستحالة الكذب على الله بالضرورة، وقد قال الله تعالى:

* (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * فها هنا قوم مقطوع بأنهم غير مخزيين، فكما أن النبي أولى من كل الناس بذلك كذلك الإمام يكون أولى من كل الناس بذلك لوجود ما في غيره فيه، لأنه يمتنع كونه مفضولا على ما يأتي وزيادة تقريبه وتبعيده وكونه لطفا كما أن النبي صلى الله عليه وآله لطف فيكون المراد بهذه الآية أما الأئمة عليهم السلام وحدهم أو هم وغيرهم وهم أولى بها وأما الكبرى فلأن غير المعصوم يمكن أن يخزي لأمة يمكن أن يدخل النار، لقوله تعالى: * (والذين لا يدعون مع الله إلها أخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا) * جعل ذلك جزاء على كل واحد واحد. وقوله تعالى:

* (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة) * فما أصبرهم على النار وكل من يمكن أن يدخل النار يمكن أن يخزي لقوله تعالى: * (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) * لا يقال هذا الدليل لا يتم لأن القياس المركب من ممكنتين أو ممكنة صغرى وفعلية كبرى لا ينتج في الشكل الأول لما بين في المنطق، لأنا نقول بل هذا الدليل تام لأن الممكنة الصغرى تنتج في الشكل الأول لما بينا في المنطق لا يقال هذا الدليل يتم في حق علي والحسن والحسين عليهم السلام لأنهم وجدوا زمن النبي صلى الله عليه وآله أما في حق باقي الأئمة فلا يتأتى فيهم لأنهم لم يكونوا في زمانه، لأنا نقول ليس المراد بمن آمن معه الذين

الصفحة 91
آمنوا في زمانه خاصة بل الذين آمنوا شيئا بدعوته والتزموا بشريعة ولم يخالفوا له أمرا أصلا ولا ارتكبوا شيئا من مناهيه في أي زمان كان، وأيضا فلأن الناس بين قائلين قائل بعصمته الإمام فيجب عنده في كل إمام، ومنهم من نفي عن الكل، فعصمة البعض دون البعض قول ثالث باطل بالاجماع.

الثالث والأربعون: قوله تعالى: * (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين) * إلى قوله: * (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) * وجه الاستدلال به ما تقدم تقريره في - 34 - (1) وأيضا فإن الذين يصدر منهم الذنب يقال إنهم ليسوا هم المتقين وهو يناقض قوله * (هم المتقون) * فدل على وجود المعصوم (2) غير النبي صلى الله عليه وآله، وإذا كان المعصوم غير النبي موجودا كان هو الإمام لاستحالة إمامة غيره مع وجوده.

____________

(1) وقد قدمنا هناك أيضا بأن هذا التقريب لا يستلزم حصر المهتدين في تلك الآية في تلك بالأئمة المعصومين، كما أنه هاهنا لا يستلزم حصر المؤمنين الصادقين المتقين في المعصومين أيضا، بل يجوزان يوجد في المؤمنين العدول من يتصف بهذه الصفات.

نعم إنما تفيدنا هذه الآية وتلك الآية الكريمتان وجود المعصوم من ناحية أخرى، وتقريبها أن نقول: إن الإيمان الصحيح والتقوى منه جل شأنه حق تقاته لا يحصل لبشر دون توسط العالم بالشريعة حسبما نزلت، والعارف به تعالى وبأنبيائه حق المعرفة، إذ يجوز أن يحيد المرء بلا معرفة صحيحة عن جادة الصواب، إذ نجدهم مختلفين رأيا ومذهبا، ولا يجوز أن يحيد المرء بلا معرفة صحيحة عن جادة الصواب، إذ نجدهم مختلفين رأيا ومذهبا، ولا يجوز أن يكونوا جميعا على صواب، فالعلم والمعرفة الصحيحان لا يكونان إلا للمعصوم، فلا يحصل عليهما أحد بدون وساطته فإذن لا بد منه في العلم بالشريعة وفي معرفته الحقة ومعرفة رسله تعالى.

(2) نعم ربما تكون دلالة الآية الكريمة على وجود المعصوم من غير الناحية التي أشار إليها المصنف طاب رمسه، وإنما دلالتها على المطلوب من الناحية التي أشرنا إليها من أن التقوى والمعرفة حسبما يريدهما تعالى لا يحصلان بدون وساطة المعصوم فإن غير المعصوم لا تحرز موافقة تقاه ومعرفته لما يريده عز شأنه كملا.

وأما دعواه طاب ثراه من أن كل من يصدر منه الذنب فلا يقال له متق فصحيحة ولكن ليس كل من هو غير معصوم يصدر منه الذنب، فيجوز أن يصدق على كثير من غير المعصومين إنهم أتقياء، غير أن ذلك لا يحصل بدون العلم والمعرفة الصحيحين، وهما لا يكونان بدون وساطة المعصوم.


الصفحة 92
الرابع والأربعون: قوله تعالى: * (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) * وجه الاستدلال به أن نقول: هذه الآية عامة لأهل كل عصر وهو إجماع فنقول: بيان الآيات إنما هو بنصب معصوم يعرف معاني الآيات وناسخها ومنسوخها ومجملها ومؤولها إذ بمجرد ذكرها لا يتبين بحيث يعمل بها ويعرف معانيها، إذ هو المراد بقوله: * (لعلهم يتقون) * وإنما تحصل التقوى منها بالعمل بها، وغير المعصوم لا يعتد بقوله والتقوى هو الأخذ باليقين والاحتراز عما فيه شك ولا يحصل ذلك إلا من قول المعصوم، ولا يكفي النبي في ذلك لاختصاصه بعصر دون عصر، والسنة حكمها حكم الكتاب في المجمل والمتأول، فقل إن يحصل منها اليقين، لأن المتيقن في متنه هو المتواتر وفي دلالته هو النص، وذلك لا يفي بالأحكام لقلته فبيان الآيات لأهل كل عصر بحيث يمكنهم العمل بها، وعلم المراد بها يقينا، إنما هو بنصب الإمام المعصوم في كل عصر.

الخامس والأربعون: قوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * فلا بد من طريق معرف للصحيح في جميع الحوادث يقينا، والسنة والكتاب لا يفيان فبقي الإمام المعصوم.

السادس والأربعون: قوله تعالى: * (واتقوا الله لعلكم تفلحون) * أمره بالتقوى مع عدم نصب طريق سالم من الشبهة والشك موصل إلى العلم بالأحكام يقينا محال، وذلك الطريق ليس الكتاب والسنة، لأن المجتهد لا يحصل منهما إلا الظن وقد يتناقض اجتهاده في وقتين، فيعلم الخطأ في أحدهما ويتناقض آراء المجتهدين فيضل المقلدون، فلا بد من إمام معصوم في كل عصر لعموم الآية في كل عصر يحصل اليقين بقوله لعصمته.

السابع والأربعون: قوله تعالى: * (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * يجب الاحتراز عن الاعتداء في كل الأحوال ولا يمكن ذلك الأبعد العلم بأسبابه ولا يحصل ذلك إلا من قول المعصوم فيجب نصبه وإلا لزم تكليف ما لا يطاق.


الصفحة 93
الثامن والأربعون: قوله تعالى: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * ولا يجوز تحكيم الغريم في ذلك ولا غير المعصوم لجواز الميل فالخطاب للمعصوم بموآخذة المعتدي بمثل ما اعتدى، وهذه الآية عامة في كل عصر فيجب المعصوم في كل عصر وهو المطلوب.

التاسع والأربعون: قوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة) * فيجب الاحتراز في كل عصر عنه وامتثال قول غير المعصوم إلقاء باليد إلى التهلكة (1) لجواز أمره بالمعصية والخطأ، فيكون منهيا عنه فيجب إمام معصوم يمتثل قوله.

الخمسون: * (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) * وهو الاحتراز عن الشبهات فلا بد من طريق محصل للعلم بأوامر الله تعالى ونواهيه، والمراد من خطابه حتى يحصل ذلك في كل عصر وليس ذلك إلا قول المعصوم، لأن الكتاب والسنة غير وافيين بذلك عند المجتهد ولا المقلد، فيجب المعصوم في كل عصر.

الحادي والخمسون: امتثال قول غير المعصوم يشتمل على الخوف والشبهة لجواز أمره بالخطأ عمدا أو خطأ فلا يكون من باب التقوى، وامتثال أمر الإمام من باب التقوى بالضرورة، فلا شئ من غير المعصوم بإمام وهو المطلوب.

الثاني والخمسون: قوله تعالى: * (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) * فلا بد من طريق معرف للحسن والقبح يقينا وليس إلا المعصوم لما تقدم، وهي عامة في كل عصر، فيستحيل كون الإمام غيره.

الثالث والخمسون: قوله تعالى: * (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) * إلى قوله: * (والله لا يحب الفساد) * وجه الاستدلال به أنه

____________

(1) لا يلزم ذلك دائما، نعم يجوز فيه ذلك، فالمرء لا يأمن من التهلكة بالرجوع لغير المعصوم، فيجب المعصوم لأمان الأمة من إلقاء أنفسها بالتهلكة.


الصفحة 94
حذر من مثل هذا وتوليته وعرف إن مثل هذا ولايته تستلزم الفساد واختلاف النظام، وقد لا يعلم باطنه إلا الله فلا يجوز إلا أن يكون الإمام منصوصا عليه من قبل الله تعالى ليعلم استحالة ذلك منه، وذلك هو المعصوم ولا يحسن من الحكيم توليته غير المعصوم.

الرابع والخمسون: الإمام يلزم من طاعته واتباعه عدم اتباع خطوات الشيطان وتركه لأن الله تعالى أمر بطاعة الإمام بقوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * ونهى عن اتباع خطوات الشيطان بقوله تعالى: * (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * وفاعل المأمور به لا يكون فاعلا للمنهي عنه من هذه الجهة لاستحالة تعلق الأمر والنهي بشئ واحد، ولا شئ من غير المعصوم يلزم من طاعته واتباعه عدم اتباع خطوات الشيطان وهما ينتجان من الثاني لا شئ من الإمام بغير المعصوم (1) وهو المطلوب.

الخامس والخمسون: قوله تعالى: * (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم) * والبينات التي لا يحصل معها الخطأ ولا الخلل ولا تحصل إلا بقول المعصوم إذ الكتاب مشتمل على المجملات والمتشابهات والناسخ والمنسوخ والاضمار والمجاز والسنة أكثر متنها غير يقيني، ودلالة أكثرها غير يقينية، ولا يعلم ذلك يقينا إلا المعصوم، ولا يحصل الجزم إلا بقوله لتجويز الخطأ على غيره، والجزم ينافي احتمال النقيض، فدل على ثبوت المعصوم في كل وقت، فيستحيل كون الإمام غيره.

السادس والخمسون: الجزم بالنجاة يحصل باتباع الإمام وإلا لم يحصل وثوق بقوله وأمره البتة، فانتفت فايدة نصبه، ولا شئ من غير المعصوم يجزم بحصول النجاة باتباعه فلا شئ من الإمام بغير معصوم (2).

____________

(1) وتقرير الشكل الثاني ها هنا أن نقول: الإمام يلزم من طاعته واتباعه عدم اتباع خطوات الشيطان، ولا شئ من غير المعصوم يلزم من طاعته واتباعه عدم اتباع خطوات الشيطان، وبعد إسقاط المتكرر وهو المحمول في الصغرى والكبرى تكون النتيجة ما ذكره رضوان الله عليه وهي: لا شئ من الإمام بغير المعصوم.

(2) وهذه النتيجة من الشكل الثاني وتقريره أن نقول: الإمام يجزم بحصول النجاة باتباعه، ولا شئ من غير المعصوم يجزم بحصول النجاة باتباعه، وبعد إسقاط المحمول المتكرر في المقدمتين تكون النتيجة: لا شئ من الإمام بغير المعصوم.


الصفحة 95
السابع والخمسون: قوله تعالى: * (ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب) * وغير المعصوم يجوز عليه ذلك، فلا يجوز اتباعه.

الثامن والخمسون: قوله تعالى: * (كان الناس أمة وحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) * إلى قوله تعالى: * (والله يهدي من يشاء إلى صرط مستقيم) * الاستدلال بهذه الآية من خمسة أوجه:

الأول: قوله تعالى: * (ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) * وهذا لطف فيجب عمومه وللإجماع على عمومها في كل عصر ولعموم الناس فلا بد ممن يحكم بالكتاب بين كل مختلفين بالحق قطعا، وغير المعصوم ليس كذلك لتجويز عمده وخطئه بغير الحق أو خطئه وأيضا غير المعصوم لا يمكنه الحكم بين كل مختلفين بالحق من الكتاب لأنه لا يعلم ذلك يقينا من الكتاب إلا المعصوم لتوقفه على معرفة جميع الأحكام يقينا منه، فدل على وجود المعصوم في كل عصر.

الثاني: قوله تعالى: * (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم) * والطريق إلى العلم أما العقل أو النقل وأكثر أحكام الشريعة لا يتمكن العقل من إدراكها، ولا مجال له فيها، فبقي النقل فإما أن يكون مقطوعا في متنه ودلالته أو لا يكون كذلك، فإن كان الأول وكان إدراكه ضروريا يشترك فيه كل الناس، وهذا لا يقع فيه اختلاف إلا على سبيل البغي بين المختلفين، وليس شئ من الكتب الإلهية والسنة كذلك أو لا يكون إدراكه ضروريا يشترك فيه الناس، فلا بد من وضع طريق يمكن التوصل منه إلى معرفة المتن والدلالة من أنواع الخطاب في الكتب المنزلة لكل الناس، وإلا لم يكن الاختلاف بغيا بينهم إذ لا يشترك العقلاء في ضرورية إدراكه ولا طريق يوصلهم إلى العلم به لا بد فيه من الاختلاف لاختلاف

الصفحة 96
الأمارات والظنون فلا يكون الاختلاف بغيا، لكنه تعالى حكم بأن الاختلاف بغي وإن كان الثاني وأن لا يكون مقطوعا في متنه ودلالته بل يكون من قبيل مجملات والمجاز، فلا يتيقن طريق إلى العلم بأنواع الخطاب والعقل لا يصلح هنا وهو ظاهر، فبقي النقل ممن يحصل الجزم بقوله، ولا بد من طريق إلى الجزم بصدقه وبعلمه، وذلك هو المعصوم، وهو المطلوب والطريق إلى معرفة صدقه ومعرفة عصمته وأما بالمعجزات أو بنص من الله تعالى أو من النبي أو الإمام صريح على ذلك.

الثالث: قوله تعالى: * (من بعد ما جاءتهم البينات) * حكم بأن اختلافهم بعد مجئ البينات التي يمكنهم معها العلم اليقيني بذلك، وليس ذلك من الكتاب والسنة فيكون إشارة إلى المعصومين المؤيدين بالمعجزات والكرامات، فإن لم يعلموهم فلتقصيرهم في النظر العقلي في معجزتهم والنصوص الدالة عليهم والبراهين القطعية التي لا تحتمل النقيض.

الرابع: قوله تعالى: * (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه) * إشارة إلى المعصومين (1) لأنا نعلم قطعا أنه لم يعلم جميع المتشابهات وجميع المؤولات يقينا إلا المعصوم.

الخامس: قوله تعالى: * (والله يهدي من يشاء إلى صرط مستقيم) * وذلك يدل على ثبوت المعصوم لأن الصراط المستقيم الذي لا يعتريه خطأ أصلا لا يحصل إلا من قول المعصوم.

____________

(1) لعله طاب ثراه أراد أن المعصومين كانوا الطريق إلى هداية المؤمنين بإذنه سبحانه لأن غير المعصوم يجوز عليه الخطأ، فلا يكون طريقا لهداية المؤمنين بإذنه تعالى، وكيف يجعل تعالى طريقا إلى الهدى لا يصيب دائما.

وأما لو أراد أن المقصود من الذين آمنوا المعصومون، فللكلام فيه مجال لعموم الآية لكل مؤمن اهتدى بإذنه سبحانه سواء كان معصوما أو غير معصوم نعم إنما تدل على وجود المعصوم يقينا من الناحية التي أشرنا إليها، إذ أن المهتدي إلى الحق تماما إنما يكون من طريق المعصوم، ولا يحصل ذلك بغير المعصوم لجواز الخطأ على غير المعصوم، وكيف يكون الطريق الذي يجوز عليه الخطأ مأذونا منه سبحانه.


الصفحة 97
التاسع والخمسون: قوله تعالى: * (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) * فلا بد من طريق إلى العلم بالأشياء النافعة والضارة من حث الدين، ولا سبيل إلى ذلك إلا من المعصوم فيلزم ثبوته.

الستون: قوله تعالى: * (والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) * الاستدلال به من وجوه:

الأول: إن هذا يدل على رحمته ولطفه بالعباد وإرادته لدخولهم الجنة مع خلق القوى الشهوية والغضبية والأهوية المختلفة والشيطان، والخطاب يعين النص فلو لم ينصب المعصوم في كل عصر لناقض غرضه تعالى الله عن ذلك.

الثاني: إن دعاءه إلى المغفرة والجنة إنما هو بخلق القدرة وجعل الألطاف والطريق التي يحصل بها العلم والعمل وأهم الألطاف في التكاليف الإمام المعصوم لأنه المقرب إلى الطاعات والمبعد عن المعاصي، ولأن العلم بالتكاليف والأحكام الشرعية لا يحصل إلا من المعصوم إذ غيره لا يوثق بقوله ولا تتم الفايدة به.

الثالث: قوله تعالى: * (ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) * البيان الذي يحصل معه التذكر والخوف من المخالفة لا يحصل إلا بقول المعصوم، إذ الآيات أكثرها مجمل وعام يحتمل التخصيص ولا مستند في عدم المخصص إلا أصالة العدم المفيد للظن وأكثرها مؤول، فلا بد من معرفة طريق معرف لهذه وليس إلا المعصوم لما تقدم.

الحادي والستون: قوله تعالى: * (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) * وذلك يتوقف على معرفة الذنوب وهو موقوف على العلم بالأحكام الشرعية والخطابات الإلهية والسنة النبوية، وكذلك يتوقف على معرفة الطهارة وأنواعها وأحكامها ونواقضها وشرايطها وأسبابها وكيفياتها ولا يحصل ذلك إلا من المعصوم على ما تقدم وهي عامة في كل زمان فيجب

الصفحة 98
المعصوم في كل زمان فيستحيل أن يكون غيره الإمام معه.

الثاني والستون: قوله تعالى: * (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) * وجه الاستدلال من وجهين:

الأول: إن البر والتقوى والاصلاح بين الناس موقوف على معرفة الأحكام الشرعية والمراد من أنواع الخطاب الإلهي على وجه يقيني وإلا لجاز أن يأتي بالمعصية والفساد وترك البر وهو لا يعلم وذلك لا يحصل إلا من المعصوم على ما تقرر فيجب المعصوم.

الثاني: إن الموصوف بهذه الصفات الذي يصلح بين الناس فيتعين على الناس قبول قوله ليتم الاصلاح وانتظام النوع، وغير المعصوم لا يصلح لذلك فدل على ثبوت المعصوم.

الثالث والستون: قوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) * وكسب القلوب ثلاثة أنواع:

الأول: الاعتقاد فإن طابق كان مثابا وإن لم يطابق في أي شئ كان سواء في النقليات أو العقليات يسمى أيضا كسبا.

الثاني: الإرادة.

الثالث: الكراهة، فيجب وضع طريق العلم بالموافق منها للحق والمطابق لأمر الله تعالى، ونهيه لا يحصل ذلك إلا من المعصوم لما تقدم، وهي عامة في كل عصر فيجب وجود المعصوم في كل عصر، لا يقال أتقولون بمذهب الملاحدة القائلين بتوقف المعارف، لأنا نقول لا نقول بذلك في المعارف العقلية بل نقول معرفة الأحكام الشرعية، والمراد من الكلمات الإلهية والآيات المجملة وغيرهما موقوف على المعصوم وليس هذا مذهب الملاحدة.

الرابع والستون: قوله تعالى: * (والله غفور رحيم) * وجه الاستدلال إنه وصف نفسه بالرحمة وخلق القوى الشهوية والغضبية وإبليس وقدرته

الصفحة 99
وتمكين المؤذي من الأذى والجهل، فلو لم يخلق المعصوم الذي يمكن معه تحصيل الفوائد الدنيوية والأخروية، والخلاص من العذاب وتحصيل النعيم، وقهر القوى الشهوية والغضبية وإبليس لنا في رحمته إذ هذه الأشياء، موجبات الهلاك والإمام المعصوم منج منها والرحيم هو الموقى من أسباب الهلاك.

الخامس والستون: هذه الآية هي قوله تعالى: * (والله غفور رحيم) * وقوله تعالى: * (الرحمن الرحيم) * وقوله تعالى: * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * كل ذلك يدل على نفي عذر المكلف في ترك المكلف به وإهماله مع إتيان الله تعالى بجميع ما ينبغي له أن يأتي به مما يتوقف عليه فعل المكلف من القدرة والعلوم والألطاف المقربة والمبعدة المعارضة للقوى الشهوية والغضبية واللذات والنفرة والآلام، ولا أهم في ذلك من المعصوم في كل زمان، إذ مع نفيه لا يعتمد المكلف على قول غيره ولا تحصل له العلوم الواجبة من السنة والكتاب بجميع الأحكام، وكان الله تعالى انتسب منه إلى وجه ما، ولكن لا تجويز النسبة إليه تعالى بنفيه القدرة والشهوة والنفرة وإلا لارتفع التكليف لعدم الكلفة ولزوم الالجاء وغير ذلك لا يجوز، وإلا لم يحسن المبالغة، وإنما يحسن مع كونه من المكلف من كل وجه إلا ما ليس من فعله ويتوقف عليه التكليف.

السادس والستون: انتفاء الإمام المعصوم في عصر ما ملزوم للمحال بالضرورة فهو محال، فانتفاء الإمام المعصوم في عصر ما محال، وإذا استحال صدق السالبة الجزئية وجب صدق الموجبة الكلية، فيجب وجوده في كل عصر، أما الكبرى فظاهره، وأما الصغرى فلاستلزام انتفائه ثبوت الحجة للمكلف على الله تعالى في وقت ما (1) لمشاركة المعصوم النبي في المطلوب إذ النبي يراد منه العلم بالأحكام ولتقريب والتبعيد وهما موجودان في الإمام

____________

(1) لأن المكلف إذا أخطأ التكليف لعدم البيان أو للاجمال أو لغير ذلك لم يحسن من المولى سبحانه عقابه، لعدم الحجة منه تعالى عليه بل الحجة للمكلف عليه سبحانه، إذن فما الفائدة من بعث الرسول صلى الله عليه وآله بالشريعة إذا أخطأت الأمة العمل بها وفاتتهم أحكامها وجهلوا نظامها.


الصفحة 100
المعصوم، فيكون نفيه مساويا لنفي النبي صلى الله عليه وآله ولازم أحد المتساويين لازم للآخر، ولكن انتفاء الرسول يستلزم ثبوت الحجة فكذا انتفاء الإمام.

السابع والستون: الإمام المعصوم لطف عام والنبي لطف خاص (1) وانتفاء العام شر من انتفاء الخاص (2) فإذا استحال عدم إرسال الرسل منه تعالى فاستحالة عدم نصب الإمام المعصوم من باب مفهوم الموافقة (3) كتحريم التأفيف الدال على تحريم الضرب.

الثامن والستون: قوله تعالى: * (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) * وكل من يمكن أن يكون ظالما لا يجوز اتباعه ولا طاعته احترازا من الضرر المظنون وغير المعصوم كذلك فلا يجوز ابتاعه، وكل إمام يجب اتباعه فلا شئ من غير المعصوم بإمام.

التاسع والستون: قوله تعالى: * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قنتين) * أمر بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وإنما يحصل ذلك بمراعاة شرائطها ومعرفة أحكامها والاحتراز من مبطلاتها على وجه يعلم صوابه ولا يعلم إلا من المعصوم لما تقدم، فيجب وهي عامة في كل عصر فيجب فيه.

السبعون قوله تعالى: * (يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون) * والبيان الذي يحصل منه العلم إنما يكون بالنص مع معرفة الوضع يقينا أو من قول

____________

(1) وذلك لأن النبي إنما يجب في وقت ما، والإمام في كل وقت، فمن ثم كان لطف النبي خاصا وإمام عاما.

(2) لأن ضرر انتفاء العام لطول زمانه أكثر من انتفاء الخاص.

(3) أو ما نسميه بالأولوية القطعية، فإن الإمامة إذا كانت أعم من النبوة، وكان انتفاؤها أكبر شرا من انتفاء النبوة كانت الاستحالة بعدم نصب المعصوم أولى من الاستحالة بعدم بعث النبي، ومن هناك مثل للأمرين من النبوة والإمامة بتحريم التأفيف الدال على تحريم الضرب لأن الضرب في التحريم أولى من التأفيف لأنه أشد عقوبا وأكبر إساءة، وهكذا يكون شأن الإمامة مع النبوة.


الصفحة 101
المعصوم والأول منتف في أكثر الآيات فيتعين الثاني فيستحيل أن يكون الإمام غيره وهي عامة في كل عصر إجماعا.

الحادي والسبعون: قوله تعالى: * (وقتلوا في سبيل الله) * أمر بالمقاتلة ويستحيل من دون رئيس وهي عامة في كل عصر يوجد فيه الكفار، فيجب فيه الرئيس لذلك ولا بد أن يكون معصوما لأن الجهاد فيه سفك الدماء وإتلاف الأموال والأنفس فلا بد من أن يتيقن صحة قوله وكيف يقاتل وغير المعصوم لا يحصل الوثوق بقوله فتنتفي فائدة التكليف.

الثاني والسبعون: قوله تعالى: * (والله يؤتي ملكه من يشاء والله وسع عليم) * فنقول: من يؤتيه الله الملك لا يجوز أن يكون غير معصوم، لأنه عبارة عن استحقاق الأمر والنهي في الخلق ولا يجوز أن يفعل الله سبحانه وتعالى ذلك بغير المعصوم وهي عامة في كل عصر بالاجماع، ولأنه لا قائل بالفرق فإنه لو قال قائل لم لا يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى النبي، قلنا:

يدل على عصمته بعد النبوة وقبلها لأنه لو كان بحيث صدر منه الذنب قبلها لسقط محله من القلوب فلم يحصل الانقياد لأمره ونهيه وهو يناقض الغرض ويلزم من القول بذلك عصمة الإمام، وإلا لزم إحداث قول ثالث وهو باطل.

الثالث والسبعون: قوله تعالى: * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) * وجه الاستدلال به من وجوه:

الأول: الله عز وجل نص على أنه هو الناصب للرئيس الدافع فيبطل الاختيار ويجب حينئذ أن يكون معصوما، لأنه تعالى يستحيل أن يحكم غير المعصوم.

الثاني: إنه بنصب الله تعالى الدافع من الناس يرتفع الفساد، لأن لولا تدل على امتناع الشئ لثبوت غيره، ولا يكون ذلك إلا مع المعصوم إذ مع غيره الفساد لا يرتفع.

الثالث: إنه تعالى نسب الأحكام الصادرة من الرئيس والأوامر والنواهي

الصفحة 102
إليه تعالى، وإلا لزم الجبر وقد بينا بطلانه فيكون معصوما إذ غير المعصوم قد يأمر بالخطأ وهو ظاهر واقع، ومن يقف على أخبار الخلفاء والملوك المتواترة يكون ذلك مقررا عنده والخطأ لا يكون من الله تعالى، لا يقال لم لا يجوزان يكون ذلك إشارة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه دل على رئيس مطلق ولم يدل على إمام فإنه في زمانه يحصل بوجوده، وبعد وفاته يحصل بشرعه وقوانينه الشرعية وأحكامه التي قررها سلمنا، لكن لا فاعل إلا الله تعالى فكان نصب الخلق للرئيس من فعله أيضا، سلمنا لكن فساد الأرض، إنما يقال عند وقوع جميع الأحكام خطأ وعدم رئيس تجاذب الأهوية واضطراب العالم ولا يلزم من نفي الكل النفي الكلي، لأنا نقول: أما الجواب عن الأول فنقول هذه الآية عامة في كل عصر إجماعا ولثبوت الملازمة المذكورة وانتفاء اللازم في كل زمان لأنه تعالى لا يريد إصلاح الأرض، ودفع فسادها في زمان دون زمان وإلا لزم الترجيح من غير مرجح، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بد من رئيس يقهر على اتباع أوامره ونواهيه، وإلا لزم المحال المذكور.

وأما عن الثاني: فقد بينا بطلان الجبر، وقولكم لا فاعل إلا الله اعذار لإبليس ونفي لفساد فعله واعذار للمكلف في صدور الخطأ منه، وينافيه القرآن المجيد في عدة مواضع، بل القرآن مشحون بإسناد الفعل إلى الآدمي، وذم الكفار وفاعل الظلم على ذلك، ثم كيف يتحقق العقاب؟

ولأنا قد بينا أن هذه تدل على عصمة الرئيس فإنه لا يصدر منه إلا الصلاح ولا يصدر منه ذنب لأنه فساد فيستحيل أن يكون منصوبا من الخلق.

وأما عن الثالث: فبوجهين: الأول: إن كل واحد من أنواع الفساد مراد لله تعالى ووقوع كل المصالح والعبادات مراد الله تعالى أيضا ويلزم من ذلك نصب المعصوم لاستحالة ما قلناه بدونه.

الثاني: إن ما ذكرتموه من نفي الكل لا يحصل إلا من المعصوم لأن ناصب الرئيس أما الله تعالى أو غيره، والثاني مستلزم للاضطراب وتجاذب

الصفحة 103
الأهوية والفساد الكلي فلا ينتفي إلا بنصب الله تعالى عز وجل للرئيس ويستحيل من الله تعالى تحكيم غير المعصوم، ولأن غير المعصوم يحصل منه الجواز، وفيه إثارة للفتن والفساد الكلي والاضطراب.

الرابع والسبعون: قوله تعالى: * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومسجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) * وجه الاستدلال به أنه يدل على نصب الله الرئيس بعد النبي صلى الله عليه وآله لأنه حافظ للمساجد والصلوات ومقرب إلى الطاعات ومبعد عن المعاصي بعد تقريرها وذلك هو الإمام المعصوم لما تقدم من التقرير.

الخامس والسبعون: قوله تعالى: * (قد تبين الرشد من الغي) * وجه الاستدلال إن كل ما يطلق عليه رشد وصواب قد اشترك في هذا الوصف الموجب لبيانه وظهوره وتميزه من الخطأ، وكذلك الغي قد اشترك في هذا الوصف الموجب لوجوب بيانه وإظهاره، فترجيح البعض محال لأنه في معرض شيئين:

أحدهما: نفي عذر المكلف مطلقا.

الثاني: الامتنان، ولا يحصل الأول ولا يحسن الثاني إلا بالكلي وليس ذلك الشئ من الكتاب والسنة وحدهما وهو ظاهر لما تقدم، فتعين المعصوم في كل زمان وهو ظاهر وهو مطلوبنا، ولا يقال قوله تعالى فيه تبيانا لكل شئ ينافي ذلك لأنا نقول إنه لا يحصل منه إلا لمن علم يقينا مجملاته ومجازاته ومضمراته ومشتركاته ولا يعلم ذلك يقينا إلا الإمام المعصوم لا غيره إجماعا، فدل على ما ذكرتموه في كل زمان (1).

____________

(1) ويمكن الاستدلال بهذه الآية الشريفة على وجوب الإمام ووجوده في كل زمان بتقريب آخر، وهوان الآية صريحة في أن الرشد بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وآله أصبح بينا عن الغي، والهدى عن الضلالة، ومع اختلاف الناس في الدين وتشتتهم فرقا فيما جاء به سيد المرسلين عليه وآله السلام لم يكن الرشد بينا عن الغي والهدي الضلالة وإلا لما وقع هذا الاختلاف، فيدور الأمر عندئذ بين أن تكون الآية غير صادقة، أو إنه تعالى ارتضى للناس ضلالهم وغيهم واعتبره رشدا وهدى أو أن هناك إماما في كل زمان يكون طريقا لتبيين الرشد من الغي والهدى من الضلالة وبنصبه تعالى له لهذه الغاية أخبر عز شأنه على سبيل الصدور والوقوع بأنه قد تبين الرشد من الغي والأمران الأولان مستحيلان فيتعين الثالث.


الصفحة 104
السادس والسبعون: قوله تعالى: * (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) * وجه الاستدلال به من وجهين:

الأول: إن هذه عامة في كل الأوقات والظلمات أما الأول فبالإجماع، وأما الثاني فلوجوه، إحداها: اشتراك كل ظلمة في هذا الوصف المقتضي للاخراج منها والتنزيه عنها، وثانيها: إنه ذكرها في معرض الامتنان، وثالثها: إنه جمع معرف بالألف واللام وقد بينا في الأصول عمومه، فدل على ثبوت المعصوم في كل عصر فيستحيل أن يكون الإمام غيره.

الثاني: إن كرم الله تعالى ورحمته يقتضي جعل طريق يوصل إلى ذلك لمن رامه من المؤمنين وليس إلا المعصوم فيجب في كل عصر (1).

السابع والسبعون: قوله تعالى: * (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) * هذه تحذير من متابعة أمر الشيطان فيجب الاحتراز عنه وترغيب في اتباع أوامر الله تعالى ونواهيه، ولا يحصل

____________

(1) توضيح الاستدلال بهذه الآية الكريمة أن نقول: إن الله سبحانه نسب الاخراج إليه مع أننا نجد الكثير من الفرق راكسين في ظلمات الضلالة كما يشير إلى ذلك الحديث النبوي " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " فمن هنا يعلم أنه تعالى أراد من الاخراج تهيئة الأسباب بإقامة الطرق التي باتباعها الاخراج ولا شك أن طريق الاخراج في عهد الرسول صلى الله عليه وآله هو الرسول، ومقتضي عموم وجود طرق أخرى بعده.

فإن قيل: إن الطريق بعده شريعته ولها الأثر في الأزمنة المتتالية قلنا لو كان الأثر للشريعة وحدها لما اختلفت الأمة وسلكت كل فئة واديا، أليس الافتراق حدث بعد الرسول مع وجود الشريعة، فإذن لا بد من طرق أخرى بعد صاحب الشريعة ناطقة لا تقبل التأويل والتبديل، وبنور هدايتها الوضاء تخرج الناس من ظلمات الضلالة، وتلك الطرق إن أخطأت مرة وأصابت أخرى لم يحصل الاخراج، وإنما الاخراج بالطرق المصيبة دوما، الموصلة أبدا، وهل هو إلا الإمام المعصوم.


الصفحة 105
ذلك إلا من قول المعصوم إذ لو كان الإمام غيره لجاز أمره بالمعصية وبأوامر الشيطان.

الثامن والسبعون: الإمام يستحق النصرة ويستحق الأنصار ولا شئ من غير المعصوم وكذلك ينتج لا شئ من غير الإمام بمعصوم (1) أما الصغرى فظاهرة ولقوله تعالى: * (ما لكم لا تناصرون) * وهي في معنى نصرة الإمام أولى اتفاقا ولقوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * وأما الكبرى فلأن غير المعصوم ظالم متعد (2) لما تقدم، وقال الله تعالى: * (وما للظالمين من أنصار) * إما أن يكون المراد نفي الاستحقاق أو نفي النصرة بالفعل، والثاني محال لوقوع النصرة فتعين الأول، وهو المطلوب.

التاسع والسبعون: قوله تعالى: (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وآتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون) والتقوى هي الاحتراز وهي موقوفة على معرفة أحكام الله تعالى كلها والمراد بالخطاب ولا يحصل إلا من قول المعصوم ولأن امتثال قول غير المعصوم ارتكاب الشبهة إذ يحتمل أمره بالمعصية وذلك ينافي التقوى فيكون منهيا عنه.

الثمانون: قوله تعالى: (وقتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) وجه الاستدلال به أنه أمر بالقتال فلا بد فيه من نصب رئيس إذ القتال من دونه محال، ولا بد أن يكون منصوبا من قبل الله تعالى وإلا لزم الاختلاف والهرج

____________

(1) هذه القضية من الشكل الثاني، والنتيجة حتمية.

(2) لا تلازم بين عدم العصمة والظلم إذ يجوز أن يكون ولي الأمر عادلا وإن لم يكن معصوما، والعادل ليس بظالم نعم إنما يكون ظالما بغصبه الإمامة من أهلها وجلوسه على دست ليس أهلا له، وهذا أكبر الظلم.

ويمكن أن نقول: بأنه لا يستحق النصرة من ناحية أخرى لا من جهة الظلم وذلك لأنه لا يؤمن من صدور الخطأ منه، فقد تكون مناصرته تخالف الدين، وقد أريد بها الدين.


الصفحة 106
والمرج وتجاذب الأهوية (1) وذلك ضد القتال لأنه موقوف على الاتفاق ورفع النزاع ويستحيل من الله تعالى تحكيم غير المعصوم.

الحادي والثمانون: قوله تعالى: (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) هذا يتوقف على نصب الرئيس وغير المعصوم لا يوثق بقوله وفعله، فلا يتبع فينتفي فائدة هذا الأمر.

الثاني والثمانون: قوله تعالى: (والفتنة أشد من القتل) وغير المعصوم قد يحصل منه الفتنة التي هي أشد من القتل فيجب الاحتراز منه، كما يجب الاحتراز منها وهو المطلوب.

الثالث والثمانون: قوله تعالى: (وقتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فلا عدون إلا على الظالمين) وجه الاستدلال أنه جعل انتفاء الفتنة غاية ويكون الدين كله لله ولا يعلم انتفاء الفتن بالقتال وأن المراد به الاصلاح إلا من المعصوم.

الرابع والثمانون: قوله تعالى: (وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين) كل ذلك تحريض على فعل الطاعات والامتناع عن القبايح والاحتراز عن الشبهات، ولا يتم إلا بقول المعصوم في كل عصر فيجب.

الخامس والثمانون: قوله تعالى: (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) والبر والتقوى والاصلاح موقوف على معرفة أوامر الله تعالى ونواهيه والمراد بخطابه ولا يتم ذلك إلا بقول المعصوم في كل عصر

____________

(1) قد يتفق للمنصوب من قبل الناس أن تتفق عليه الكلمة، فليس عدم القتال معه للاختلاف، بل الذي ينبغي أن يقال، إن حرمة القتال معه لجواز أن يكون القتال معه مخالفا للدين، وغير مأمور به من الشارع الأقدس، فنحن كيف نحرز بالقتال معه إصابة الشريعة ورضى الله تعالى بهذا القتال نفسه، فإذن لا نحرز ذلك إلا بالقتال مع المعصوم.